وهو يتفق مع د. غنيمي هلال في اتجاهه؛ لأنهما قد استمداه من منبع واحد، وهو ما انتهت إليه المذاهب الأدبية الحديثة في الغرب، وأرى أن هذا الاتجاه جعل الأفكار والمشاعر رافدين من روافد الصورة كغيرها من الروافد الأساسية لها، ولا يأتيان تبعًا للروافد التي تقوم عليها الصورة مجردة من المضمون، حين دراستها مستقلة كقيمة من القيم الشعرية العديدة، لا ينبغي أن يطبق هذا على الصورة في الشعر الغنائي، ويتفق في رأينا مع بعض الأجناس الأدبية الأخرى كالقصة والمسرحية؛ لأن الأحداث والحكاية والفصول فيها تكون الشكل الفني لها، وهي في ذاتها مضمون القصة والمسرحية، بحيث لا يمكن الفصل بينهما أما الصورة في الشعر الغنائي فإن سلمنا بإمكان الفصل فيها بين اللفظ والمعنى، وهذا لا يتأتى إلا وهي في الذهن حينما تتشكل من الأفكار والمشاعر والتجربة الشعرية والصورة كلية قبل انفصالها عن الشاعر، إن سلمنا بذلك فلا نسلم بالفصل بينهما بعد تشكيل الصورة وبروزها إلى الخارج عن نفس الشاعر، ليتمكن الناقد من الفصل بين المضمون وبين الصورة، التي تتخذ نسيجها من مواقع الألفاظ في العمل الفني، وانسجام حروفها وألفاظها بعضها مع بعض، ثم التلاؤم الذي يتم بينها في ذاتها وبين ما يهدف إليه الكاتب، ثم ما توحي به من معان جديدة لم تكن لمفردات الألفاظ من قبل، وعلى ذلك فمن الممكن للناقد أن يتعرف على خصائص الشكل، ثم يتبع ذلك التعرف على خصائص الصورة، وما أضافته لتكوين العمل الفني من معان جديدة، وهي في ذاتها نبع العبقرية في أخص خصائص الصورة الأدبية، التي لم تأت عن طريق المضمون وحده ولا عن طريق الشكل وحده، بل جاء من تأليف النص الأدبي على مثال اختارته عبقرية الشاعر الملهمة في التصوير، ولذلك نستطيع أن نفرق بين شاعر مصور للدقائق التي لا تفلت منه،