ولعل هذا هو الذي حذر منه د. غنيمي هلال حيث يقول: "على أننا نحذر من اتخاذ المضمون والشكل معيارًا للتحليل الأدبي، إذ كثيرًا ما يستخدم هذا التقسيم لتحليل العمل الأدبي إلى شطرين تحليلًا تحكميا؛ لأنا إذا أمعنا النظر، وجدنا بعض عناصر الشكل داخلة في المضمون ... واحتراسًا من هذا اللبس في التحليل، وتجنبًا للتحكيم في تقسيم العمل الأدبي نرى العدول عن اتخاذ المضمون والشكل أساسًا للتحليل الأدبي"1.
ومع أنه حذر منه فقد سار على التفريق بينهما أثناء دراسته، وفي كتابه المعنى الذي ورد فيه قوله السابق ولم ينص على ذلك. وليس هذا محلًّا للمناقشة هنا.
ولكن ما أعنيه هنا، ويهمنا في هذه القضية، أنني أتفق معه في أن الفصل بين الشكل والمضمون يجب أن نحذر منه، وكما قلت: إنه عسير وشاق، لكني أختلف معه أثناء التحليل الأدبي فيهما ونقدهما، وحين التقويم لإنتاج الشاعر، يلزم الفصل بينهما، ولو على نحو ما. وعلى الدارس للشكل والصورة أن يجعلهما معًا العمدة في بحثه، وتأتي دراسة المضمون تبعًا لذلك، وتصبح أبواب البحث وفصوله خاضعة لتكوين الصورة والشكل، ومثل ذلك حينما يتناول الدارس قضية الوحي في الصورة، فإنه -لا شك- سيبين إيحاءها، ويوضح أثره في المضمون وهكذا.
وهذا الاتجاه يعين الدارس على التعمق في الجزئية التي يدرسها، مما يؤدي إلى التخصص والدراسة الموضوعية الرأسية المنتجة، لا الدراسة الأفقية المستعرضة التي يتناول فيها الدارس الصورة والمضمون والغاية، وأثر الشاعر في كل ذلك، وهذه طريقة جامدة لا تعين على النهضة، ولا تربية الذوق عند الناقد.