وقومه فإنهم بالعقول التي قدموا بها عاجل الدنيا وزينتها وزخرفها على آجل الآخرة وباعوا بها الذهب الباقي بالخزف الفاني وآثروا بها خسران الدنيا والآخرة على العبودية والانقياد لموسى والإيمان بالله وحده هي العقول التي نفوا بها مباينة الله لخلقه واستوائه على عرشه وتكليمه لموسى ونفوا بها صفات كماله من السمع والبصر والقدرة والحياة والإرادة بل نفى بها شيخهم وإمامهم نفس الذات فقال {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص38] فهذه العقول التي دلتهم في النفي والتعطيل هي تلك العقول التي آثروا بها الدنيا على الآخرة ففاتتهم الدنيا والآخرة بل آثروا بها العقوبة العاجلة وأسبابها على العافية والنعمة فمن الذي يتخير بعد ذلك تقديم ما حكمت به هذه العقول السخيفة من التعطيل والنفي على ما جاءت به الرسل من الإثبات المفصل.
والمقصود أن هؤلاء إنما يأخذون الناس بالرغبة والرهبة لا بالحجة والبيان ولهذا لما علم إمامهم فرعون أنه لا يقاوم بها موسى عدل معه إلى الوعيد بالسجن فقال {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء29] .