الوجه الثالث والتسعون بعد المائة: إن هؤلاء النفاة المعطلة إذا غلبوا مع أهل الإثبات وقامت حجتهم عليهم عدلوا إلى عقوبتهم وإلزامهم بالأخذ بأقوالهم ومذاهبهم بالضرب والحبس والقتل وتارة يأخذونهم بالرغبة في الدنيا ومناصبها وزينتها فلا تقبل أقوالهم إلا برغبة أو رهبة والناس إلا القليل منهم عبيد رغبة أو رهبة وبهذه الطريقة أخذ إمام المعطلة فرعون قومه حين قال للسحرة لما ظهرت حجة موسى عليه وصحت دعوته وصحت نبوته وألقى السحرة ساجدين إيمانا بالله وتصديقا برسوله {فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه71] ولما تمكن الإيمان من قلوبهم علموا أن عقوبة الدنيا أسهل من عقوبة الآخرة وأقل بقاء وأن ما يحصل لهم في الآخرة من ثواب الإيمان أعظم وأنفع وأكثر بقاء.

فهذه العقول التي قدموا بها خير الآخرة على خير الدنيا وعقوبة الدنيا وألمها المنقضي على عقوبة الآخرة وألمها الدائم هي العقول التي أثبتوا بها صانع العالم وصفاته وعلوه على عرشه وتكليمه لموسى وغضبه ورضاه ومحبته ورحمته وسمعه وبصره ومجيئه وإتيانه وأفعاله وأما إمام المعطلة النفاة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015