وأجمعوا على أن الأرض متناهية الأطراف من الجهات كلها وكذلك السماء متناهية الأقطار من الجهات الست خلاف قول من زعم من الدهرية أنه لا نهاية للأرض من أسفل ولا من اليمين واليسار ولا من خلف ولا من أمام وإنما نهايتها من الجهة التي تلاقي الهواء من فوقها.
وزعموا أن السماء أيضاً متناهية من تحتها ولا نهاية لها من خمس جهات سوى جهة السفل. وبطلان قولهم ظاهر من جهة عود الشمس إلى مشرقها كل يوم وقطعها جرم السماء وما فوق الأرض في يوم وليلة. ولا يصح قطع ما لا نهاية لها من المسافة في الأمكنة في زمان متناه انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره عند قول الله تعالى في سورة الرعد (وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً) الآية ما نصه:
والذي عليه المسلمون وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها انتهى.
وهذا صريح في حكاية الإجماع من المسلمين وأهل الكتاب على ثبات الأرض واستقرارها.
وقد قرر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه «مفتاح دار السعادة» أن الأرض واقفة ساكنة. وقرر ذلك غيره من أكابر العلماء. ولا أعلم عن أحد من سلف الأمة وأئمتها خلافاً في ذلك. وإنما خالف في ذلك أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج مثل كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهم ومن نحا نحوهم من العصريين. فهؤلاء هم المخالفون في ثبوت الأرض واستقرارها من المتأخرين.
وأما المخالفون في ذلك من المتقدمين فهم الدهرية وفيثاغورس وأتباعه من اليونان. ولا عبرة بخلاف هؤلاء الذين أشرنا إليهم من المتقدمين والمتأخرين. ولا ينبغي للمسلم أن يغتر بأقوال أعداء الله ولا يصغي إلى تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة ولا يعتد بأقوالهم الفاسدة وتوهماتهم الخاطئة.
ولا ينبغي أيضاً أن يصغي إلى أقوال الذين يقلدونهم ويحذون حذوهم من المسلمين.