على الأرض من سحاب وسقوف كما في الآيات التي تقدم ذكرها وكما في قوله تعالى (فليمدد بسبب إلى السماء) يعني سماء بيته وهو السقف.
وأيضاً فإن الله تعالى ختم الآية بقوله (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) وهذا أوضح دليل على أن المراد بالجبال المذكورة في الآية ما تراكم من السحاب وصار أمثال الجبال الشاهقة والضمير في برقه عائد إلى السماء الذي هو السحاب المتراكم فإن سنا برقه يكاد يذهب بأبصار الناظرين إليه من شدة ضوئه في الغالب. فأما الأجرام العلوية فليس يرى أهل الأرض منها شيئاً من البرق لا ضعيفاً ولا قوياً يكاد سناه يذهب بالأبصار. والله تبارك وتعالى إنما خاطب الناس بما يعرفونه وأخبرهم بما يشاهدونه بأبصارهم في كثير من الأوقات.
وأيضاً فلو كان البرد ينزل إلى الأرض من جبال في الأجرام العلوية لكان ينزل في الصحو وعدم السحاب كما ينزل في حال الغيم وتراكم السحاب وهذا لا يقوله عاقل.
ومنها أنه في صفحة 106 ذكر قول الله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) ثم قال ربما استدل علماء الهيئة المتأخرون على ما ادعوه من حركة الأرض اليومية والسنوية فإنهم يقولون إن الرائي يرى الجبال ساكنة وهي متحركة أشد الحركة. ثم ذكر عن المفسرين أنهم يرون غير هذا الرأي وأن ذلك إنما يكون يوم القيامة وخراب العالم لأنها تمر مر السحاب اليوم.
قلت والحق ما ذهب إليه المفسرون. وقد بين الله تعالى ذلك بقوله (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين. وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون. من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون. ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون).
وأما حمل الآية على ما ذهب إليه أهل الهيئة المتأخرون فهو من الإلحاد في آيات الله تعالى وتحريف الكلم عن مواضعه.
والعجب من الألوسي كيف ذكر هذا القول الباطل ولم ينبه على بطلانه وهذا مما يعاب عليه.