كل ذلك يدل دلالة واضحة على كثافة جهله بما أخبر الله به في كتابه وما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه المسلمون فيما يتعلق بجريان الشمس وثبات الأرض وإذا كان الصواف بهذه المثابة من الجهل فالأولى له السكوت وعدم الخوض فيما لا علم له به وترك الاعتراض على علماء المسلمين. ولكن حب الشهرة حمل الرجل على أن يهرف بما لا يعرف وأن يخالف من هو أعلم منه فكان الأمر فيه كما قيل.
خلافاً لقولي من فيالة رأيه ... كما قيل قبل اليوم خالف لتذكرا
فصل
قال الصواف ومع هذا فإني أود أن أقول لسماحتكم إن هذا القول (حركة الأرض وثبوت الشمس) لم يقل به كفار الغرب من الأمريكان وملحدو الشرق من الروس فقط. بل الذي سبق إليه علماء مسلمون لهم قدرهم ووزنهم في تاريخ الحضارة الإسلامية فهل نحكم بكفرهم وردتهم ونجردهم من الإسلام وهم قد أفضوا إلى ما قدموا وقالوا في السماء والأفلاك ما لم يصل إليه حتى الآن علماء الغرب ولا الشرق وقالوا عن سطح القمر والجبال التي فيه قبل مئات السنين ما لم تقله لوناً (9) التي قيل إنها حطت على سطح القمر وأرسلت صورا تلفزيونية إلى الكوكب الأرضي. ولقد دهشت حقاً وأنا أنظر إلى هذه الصور في الصحف وأقرأ ما قاله علماؤنا الأجلاء قبل ما يقارب الألف عام كيف وصل علماؤنا إلى ذلك كله مع قلة الوسائل وحداثة العلم الذي اشتغلوا فيه ونبغوا فيه نبوغاً حير الألباب واستخرج حتى من أعدائهم الإعجاب. إن العلماء المسلمين أول من اشتغل بعلم الفلك بعد اليونانيين الأقدمين وأول من ألف فيه الكتب والمصنفات وأول من أنشأ المراصد الفلكية في العالم وخصص لها المخصصات الطائلة من بيت مال المسلمين. ولقد أدت مراصد بغداد الفلكية في عهد هارون الرشيد وعهد المأمون في العصر العباسي الأول خدمات لعلم الفلك ذكرها وشكرها كثير من العلماء الفلكيين في القديم والحديث. وكذلك فعلت مراصد دمشق والقاهرة والرقة وسنجار ومراغة وسمرقند وطليطلة وقرطبة. بل إن هذه المراصد أضافت إلى علم الفلك إضافات مهمة