سرى وجوده فِي الموجودات فَظهر كَمَاله فِي كل جُزْء وفرد من أَجزَاء الْعَالم وَلم يَتَعَدَّد بِتَعَدُّد مظاهره بل هُوَ وَاحِد فِي جَمِيع تِلْكَ الْمظَاهر وسر هَذَا السريان أَن خلق الْعَالم من نَفسه وَهُوَ لَا يتَجَزَّأ فَكل شَيْء من الْعَالم هُوَ بِكَمَالِهِ وَاسم الخليقة على ذَلِك الشَّيْء بِحكم الْعَارِية لَا كَمَا يزْعم من زعم أَن الْأَوْصَاف الإلهية هِيَ الَّتِي تكون بِحكم الْعَارِية إِلَى العَبْد وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله
(أعارته طرفا رَآهَا بِهِ ... فَكَانَ الْبَصِير بهَا طرفها)
فَإِن الْعَارِية مَا هِيَ فِي الْأَشْيَاء إِلَّا نِسْبَة الْوُجُود الخلقي إِلَيْهَا فَإِن الْوُجُود الحقي لَهَا أصل فأعار الْحق خلقه اسْم الخليقة ليظْهر بذلك أسرار الإلهية ومقتضياتها من التضاد فَكَانَ الْحق هيولى الْعَالم
قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} فَمثل الْعَالم مثل الثَّلج وَالْحق سُبْحَانَهُ المَاء الَّذِي هُوَ أصل الثَّلج فاسم الثَّلج على ذَلِك المعتقد معار وَاسم المائية عَلَيْهِ حَقِيقَة وَقد نبهت على ذَلِك فِي القصيدة الْمُسَمَّاة بالبوادر العينية بِقَوْلِي
(وَمَا الْخلق فِي التمثال إِلَّا كثلجة ... وَأَنت لَهَا المَاء الَّذِي هُوَ نابع)
(وَلَكِن بذوب الثَّلج يرفع حكمه ... وَيُوضَع حكم المَاء وَالْأَمر وَاقع)
(تجمعت الأضداد فِي وَاحِد النهى ... وَفِيه تلاشت فَهُوَ عَنْهُن صادع)
انْتهى