فنقول: إن الكلام ألفاظ تشتمل على معان تدلّ عليها ويعبر عنها، فيحتاج صاحب البلاغة إلى إصابة المعنى كحاجته إلى تحسين اللفظ؛ لأنّ المدار بعد على إصابة المعنى، ولأنّ المعانى تحلّ من الكلام محلّ الأبدان، والألفاظ تجرى معها مجرى الكسوة، ومرتبة إحداهما على الأخرى معروفة.
ومن عرف ترتيب المعانى واستعمال الألفاظ على وجوهها بلغة من اللغات، ثم انتقل إلى لغة أخرى تهيّأ له فيها من صنعة الكلام مثل ما تهيأ له فى الأولى؛ ألا ترى أنّ عبد الحميد الكاتب استخرج أمثلة الكتابة التى رسمها لمن بعده من اللسان الفارسى؛ فحوّلها إلى اللسان العربى. فلا يكمل لصناعة الكلام إلا من يكمل لإصابة المعنى وتصحيح اللفظ والمعرفة بوجوه الاستعمال.
والمعانى على ضربين:
ضرب يبتدعه صاحب الصناعة من غير أن يكون له إمام يقتدى به فيه، أو رسوم قائمة فى أمثلة مماثلة يعمل عليها. وهذا الضرب ربما يقع عليه عند الخطوب الحادثة، ويتنبّه له عند الأمور النازلة الطارئة.
والآخر ما يحتذيه على مثال تقدّم ورسم فرط «1» .
وينبغى أن يطلب الإصابة فى جميع ذلك ويتوخّى فيه الصورة المقبولة، والعبارة المستحسنة، ولا يتكل فيما ابتكره على فضيلة ابتكاره إياه، ولا يغرّه ابتداعه له؛