فيهوى، ويعشق سواء فى المعنى وهو حسن؛ إلّا أنّ أكثر ما يحسن فيه إيراد المعنى على غاية ما يمكن من الإيجاز.
ومعنى قوله: «فلم يبق إلّا صورة اللّحم والدم» . داخل فى قوله: «لسان الفتى نصف ونصف فؤاده» . والمصراع الثانى إنما هو تذييل للمصراع الأوّل؛ فإذا أردت أن تحلّه حلّا مقتصرا بغير لفظه قلت: الإنسان شطران: لسان وجنان.
ومما لا يمكن حلّه بتقديم لفظة منه وتأخير أخرى أيضا قول أبى نواس:
ألا يابن الذين فنوا وبادوا ... أما والله ما ذهبوا لتبقى
فتحل المصراع الأول فتقول: ألا يابن الذين ماتوا ومضوا؛ فيحسن. وتقول فى المصراع الثانى: لتبقى أما والله ما ماتوا. أو لتبقى ما ماتوا ومضوا، أما والله؛ فلا يكون ذلك شيئا؛ فتحتاج فى نثره إلى تغييره وإبدال ألفاظه؛ فتقول: ألا يابن الذين ماتوا ومضوا وظعنوا فناء؛ أما والله ما ظعنوا لتقيم، ولا راموا إلّا لتريم، ولا ماتوا لتحيا، ولا فنوا لتبقى.
وفى هذه الألفاظ طول، وليس بضائر على ما خبّرتك؛ فإن أردت اختصاره قلت: أما والله إنّ الموت لم يصبك فى أبيك إلّا ليصيبك فيك.
والضرب الرابع أن تكسو ما تحلّه من المنظوم ألفاظا من عندك؛ وهذا أرفع درجاتك.
ثم نرجع إلى السرقات: قال بعضهم للربيع بن خيثم، وقد رأى اجتهاده فى العبادة: أتعبت نفسك، قتلت نفسك. فقال: راحتها أطلب. فقال الشاعر «1» :
سأطلب بعد الدّار عنكم، لتقربوا ... وتسكب عيناى الدّموع لتجمدا