منه والزيادة فيه، كقول البحترى «1» :
يسرّ بعمران الدّيار مضلّل ... وعمرانها مستأنف من خرابها
ولم أرتض الدّنيا أوان مجيئها ... فكيف أرتضائيها أوان ذهابها
فإذا نثر على الوجه قيل: يسر مضلّل بعمران الدنيا، ومن خرابها عمرانها مستأنف، ولم أرتض أوان مجيئها الدنيا؛ فكيف أوان ذهابها أرتضائيها.
فهذا نثر فاسد؛ فإذا غيّرت بعض ألفاظه حسن وهو أن تقول: يسرّ المضلّل بعمران الديار، وإنما تستأنف عمرانها من خرابها، وما ارتضيت الدنيا أوان مجيئها؛ فكيف أرتضيها أوان ذهابها؟
ونحن نقول: إنّ من النظم ما لا يمكن حلّه أصلا بتأخير لفظة وتقديم أخرى منه حتى يلحق به التغيير والزيادة والنقصان مثل قول الشاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلّا صورة اللّحم والدّم
فالمصراع الأول يمكن أن تؤخّر ألفاظه «2» وتقدّم؛ فيصير نثرا مستقيما؛ وهو أن تقول: فؤاد الفتى نصف ولسانه نصف. ولا يمكن فى المصراع الثانى ذلك حتى تزيد فيه أو تنقص منه؛ فتقول: لسان الفتى نصف وفؤاده نصف، وصورته من اللحم والدم فضل لا غناء بها دونهما ولا معوّل عليها إلا معهما.
وزيادة الألفاظ التى تحصل فيه ليست بضائرة؛ لأنّ بسط الألفاظ فى أنواع المنثور سائغ؛ ألا ترى أنها «3» تحتاج إلى الازدواج، ومن الازدواج ما يكون بتكرير كلمتين لهما معنى واحد، وليس ذلك بقبيح إلّا إذا اتّفق لفظاهما.
ويسوغ هذا فى الشعر أيضا كقول البحترى «4» :
بودّى لو يهوى العذول ويعشق ... فيعلم أسباب الهوى كيف تعلق