ومن الحذف الردىء قول الحارث بن حلزة «1» :

والعيش خير فى ظلا ... ل النوك ممّن عاش كدّا «2»

وإنما أراد: والعيش الناعم خير فى ظلال النوك من العيش الشاقّ فى ظلال العقل، وليس يدلّ لحن كلامه على هذا، فهو من الإيجاز المقصر.

ومن الحذف الردىء أيضا قول الآخر «3» :

أعاذل عاجل ما أشتهى ... أحبّ من الأكثر الرائث «4»

يعنى عاجل ما أشتهى مع القلّة أحبّ إلىّ من رائثه مع الكثرة.

ومثله قول عروة بن الورد «5» :

عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم ... ومقتلهم عند الوغى كان أعذرا

يعنى إذ يقتلون نفوسهم فى السلم.

ومثله من نثر الكتّاب ما كتب بعضهم: فإنّ المعروف إذا زجا «6» كان أفضل منه إذا توافر وأبطأ. وتمام المعنى أن يقول: «إذا قل وزجا» . فترك ما به يتمّ المعنى؛ وهو ذكر القلّة.

وكتب بعضهم: فما زال حتى أتلف ماله، وأهلك رجاله؛ وقد كان ذلك فى الجهاد والإبلاء أحقّ بأهل الحزم وأولى. والوجه أن يقول: فإن إهلاك المال والرجال فى الجهاد والإبلاء أفضل من فعل ذلك فى الموادعة.

ومثل هذا مقصّر غير بالغ مبلغ ما تقدم فى هذا الباب من الحذف الجيّد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015