وكان له سماع كثير بقرطبة وإشبيلية وبها توفي في صدر صفر سنة ستٍّ وخمسين وأربع مائة. وكان مولده في حدود سنة خمس عشرة وثمانين وثلاث مائة. ذكره ابن خزرج.
من أهل قرطبة تجول بالأندلس؛ يكنى: أبا محمد.
روى عن القاضي يونس بن عبد الله، وأبي بكر حمام بن أحمد القاضي، وأبي محمد ابن بنوش القاضي، وأبي عمر بن الجسور وغيرهم. قال القاضي أبو القاسم صاعد ابن أحمد: كان أبو محمد بن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة، والشعر، والمعرفة بالسير والأخبار. وأخبرني ابنه أبو رافع الفضل بن علي أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تأليفه نحو أربع مائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.
وقال: أبو عبد الله الحميدي: كان حافظا عالما بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة، متفننا في علوم جمةٍ، عاملا بعلمه، زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعا ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة في كل ما تحقق به من العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث، والمصنفات، والمستندات كثيرا. وسمع سماعا جما، وأول سماعه من ابن الجسور قبل الأربعمائة. ثم ذكر جملة من أسماء تواليفه ثم قال: وما رأينا مثله في ما اجتمع له مع الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين. وكان له في الآداب والشعر نفس واسع، وباع طويلٌ. وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أشرع منه. وشعره كثير وقد جمعناه على حروف المعجم ومنه:
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا ... فجائعه تبقى ولذاته تفنى
وإذا أمكنت فيه مسرة ساعةٍ ... تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا