وذكره شيخنا أبو الحسن بن مغيث فقال: شيخٌ جليل فاضلٌ نشأ في طلب العلم وتقييد الآثار واجتهد في النقل والتصحيح، وكانت كتبه في نهاية الإتقان، ولم يزل مثابرا على حمل العلم وبثه، والقعود لإسماعه والصبر على ذلك مع كبرة السن، وانهداد القوة. أخذ عنه الكبار والصغار لطول سنه. وقد دعي إلى القضاء بقرطبة فأبى من ذلك، وكان في عداد المشاورين بها.
قرأت على شيخنا أبي محمد بن عتاب قال: قرأت على أبي القاسم حاتم ابن محمد قال: أنا أبو الحسن علي بن محمد القابسي بمنزله بالقيروان سنة اثنتين وأربع مائة قال: أخبرني حمزة بن محمد الكناني بمصر وقد اجتمع عنده الطلبة يسأله كل واحدٍ منهم برغبته في دواوين أرادوا أخذها عنه فقال: اجتمع قومٌ من الطلبة بباب قتيبة بن سعيد فسأله بعضهم أن يسمعه من الحديث، وبعضهم من الفقه وأكثر كل واحدٍ منهم برغبته، وألح عليه الرحالون، وكان روى كثيرا ولقي رجالا فتبسم ثم قال:
تسألني أم ... صبي حملا
يمشي رويدا ... ويكون أولا
مهلا خليلي ... فكلانا مبتلى
قال أبو علي: قال لنا أبو القاسم حاتم بن محمد: كنا عند أبي الحسن علي بن محمد ابن خلف القابسي في نحو من ثمانين رجلا من طلبة العلم من أهل القيروان والأندلس وغيرهم من المغاربة في علية له. فصعد إلينا الشيخ وقد شق عليه الصعود فقام قائما وتنفس الصعداء. وقال: والله لقد قطعتم أبهر. فقال له رجل من أصحابنا الأندلسيين من أهل الثغر من مدينة وشقة: نسأل الله تعالى أن يحبسك علينا أيها الشيخ ولو ثلاثين سنة. فقال ثلاثون كثيرا ثم أنشدنا: