له التأخير, فهذا لا سبيل له إلى استدراكها. ولايقدر على قضائها أبدا ولا يقبل منه, ولا نزاع بينهم أن التوبة النصوح تنفعه.
ولكن هل من تمام توبته قضاء تلك الفوائت التي تعمد تركها فلا تصح التوبة بدون قضائها أم لا تتوقف التوبة على القضاء فيحافظ عليها في المستقبل ويستكثر من النوافل, وقد تعذر عليه استدراك ما مضى هذا محل الخلاف.
ونحن نذكر حجج الفريقين:- قال الموجبون للقضاء: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النائم والناسي بالقضاء وهما معذورين غير مفرطين فإيجاب القضاء على المفرط العاصي أولى وأحرى, فلو كانت الصلاة لا تصح إلا في وقتها لم ينفع قضاؤها بعد الوقت في حق النائم والناسي. قالوا: وقد صلى صلى الله عليه وسلم العصر بعد المغرب يوم الخندق, ومعلوم قطعا أنهم لم يكونوا نائمين ولا ساهين عنها, ولو اتفق النسيان لبعضهم لم يتفق للجميع, قالوا: وكيف يكون المفرط بالتأخر أحسن حالا من المعذور فيخفف عن المفرط ويشدد على المعذور. قالوا: وإنما أنام الله سبحانه وتعالى رسوله والصحابة ليبين للأمة حكم من فاتته الصلاة وأنها لا تسقط عنه بالتفويت بل يتداركها فيما بعد. قالوا: وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أفطر بالجماع في رمضان أن يقضي يوما مكانه, قالوا: والقياس يقتضي وجوب القضاء فإن الأمر متوجه على المكلف بفعل العبادة في وقتها, فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقطا لفعل العبادة عنه.
قال الآخرون: أوامر الرب تبارك وتعالى نوعان: نوع مطلق غير مؤقت فهذا يفعل في كل وقت, ونوع مؤقت بوقت محدود وهو نوعان: أحدهما ما وقته بقدر فعله كالصيام. والثاني: ما وقته أوسع من فعله كالصلاة, وهذا القسم فعله في وقته شرط في كونه عبادة مأمورا بها فإنه إنما أمر به على هذه الصفة فلا تكون عبادة على غيرها, قالوا: فما أمر الله به في الوقت فتركه المأمور حتى فات وقته لم يمكن فعله بعد الوقت شرعا وإن أمكن حسا بل لا يمكن حسا أيضا فإن إيتانه بعد الوقت أمر غير المشروع.