هكذا ترجع العبودية كلها إلى مُوجب أسمائه وصفاته، بل وترتبط بها جميع شئون الخلق، ومن أسمائه تعالى الغفار، التواب، العفو، فلا بد لهذه الأسماء من موجبات ومتعلقات. الغفار هو الذي يغفر الذنوب، والعفو هو الذي يعفو يصفح عن الهفوات والخطايا ويمحوها، التواب هو الذي يقبل التوبة عن عباده بل ويفرح بها، وذلك يعني أنه لا بد من وقوع أخطاء ومخالفات أو جرائم يعفو عنها الرب العفو سبحانه، ولا بد من ذنوب وجناية تغفر، فالرب تعالى عفو يحب العفو ويحب المغفرة والسماح فبينما العبد يتقرب إليه بعبودية امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، ويجتهد في الطاعات إذ يجد نفسه قد زل وانزلق. فيبادر إلى عبودية التوبة والاعتراف والإقرار والندم والبكاء على ما جنى، يطلب العفو والغفران متبرأ من حوله وقوته ومعترفاً بعجزه وضعفه ومسكنته، وهي من أحب أنواع العبودية كما تقدم، يدل على ذلك فرح الله العظيم تلطفاً بهذا المسكين الذي لولاه سبحانه لم يكن له خلاص مما وقع فيه.
هكذا يظهر جلياً آثار أسمائه العفو الغفار التواب الحليم اللطيف، وأن الذي تقتضيه حكمته سبحانه أنه يقدر الأرزاق والآجال وغيرها لحكمة يعلمها ولا يعلمها غيره، لأنه لا يفعل ما يفعل ولا يقدر إلا لحكمة، وكذلك تقدير الذنوب والمعاصي. إنما يقدرها ويبتلي بها عباده لحكمة خفية ولطيفة.
ولعل من الحكم في تقديرها - والله أعلم- حبه تعالى لعبودية التوبة والإنابة، والقضاء على داء الإعجاب والكبر والأنانية ليعرف العبد قدر نفسه وأنه ليس بشيء إلا بالله وأنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، ولو لم يحفظه لهلك في يد عدوه (الشيطان) وإن لم تدركه رحمة ربه لبقي أسيراً في قبضة عدوه، ولكن الله اللطيف الغفار هو الذي ينقذه ويخلصه من الأسر إذا قرع بابه