فليطلع على أقوال أهل الحديث وأعيان فقهاء الأمة من الأئمة الأربعة ومن في طبقتهم أو بعدهم من أولئك الذين نهجوا نهجهم، لأنهم خير من يرجع إليهم لمعرفة هذا الباب الخطير على حقيقته. وأكرر هنا -كما ذكرت سابقاً غير مرة - تلك العبارة المنقولة - في صفة الاستواء.
عن أم سلمة رضي الله عنها وعن ربيعة بن عبد الرحمن شيخ الإمام مالك رحمه الله، واشتهرت أخيراً عن الإمام مالك رحمه الله: "الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه الكيفية بدعة"1.
وقد أطبق علماء أهل السنة قديماً وحديثاً على هذا المعنى. وقولهم المأثور: "أمرّوها كما جاءت بلا كيف"2 في نصوص الصفات يؤدي هذا المعنى نفسه. وهل يقول: "الاستواء معلوم" من لا يفهم معنى (استوى) لغةً؟ وهل يقول: "تمر كما جاءت بلا كيف" من لا يعرف معاني النصوص؟! الجواب (لا) بالتأكيد ودون توقف.
وإن الذي لا يفهم المعنى إنما ينبغي له أن يقول الاستواء غير معلوم أو اقرأوا الألفاظ وأمرّوها دون محاولة فهم معانيها لأنها غير مفهومة لنا أو يقول: الله أعلم بمعانيها ونحن لا نعلم أو عبارة كهذه.
وقد غلط في هذه النقطة بعض الذين كتبوا عن عقيدة السلف دون دراسة سابقة، بل بالمطالعات العابرة أو بالسماع والتقليد فأساءوا فهم عقيدة السلف، ثم أساءوا إلى منهجهم بل اتهموا - جهلاً منهم- كثيراً من أتباع السلف بالتشبيه والتجسيم بناء على تصورهم الخاطئ، حيث ظنوا أن مذهب السلف هو التفويض المحض، بل قد صرح بعض المتأخرين منهم بأن السلف لا يفهمون معاني نصوص الصفات، والعجب كل العجب أنهم