وقد عرفنا قبلُ معنى التنزيه عند المعتزلة. وخلاصته الإيمان بذاته تعالى مجردة عن جميع الصفات، بل موصوفة بأنواع من السلوب التي تجعل وجود الله وجوداً ذهنياً لا حقيقه له في الخارج، أو وجوداً مجرداً أشبه بالوجود الذي وصفه به أرسطو (التأمل المحض) أي الخيال المحض.
يتضح من كل ما تقدم أن القوم أعطوا لأنفسهم حرية مطلقة لا تقف عند حد ليتصرفوا في النصوص كما يريدون، وليقولوا ما يشاءون من رد للأحاديث بدعوى أنها من الآحاد، أو تضعيف لها على خلاف القواعد المتبعة عند أهل هذا العلم أو طرحها جانباً بدعوى مخالفتها للبراهين العقلية القاطعة، هكذا أصبح رد الأحاديث من أسهل الأمور عندهم.
وأما الآيات القرآنية فليس وزنها أثقل من وزن الأحاديث بكثير، لأنها خاضعة لقوانينهم الكلامية وفلسفتهم اليونانية، التي سيطرت على عقولهم، وزينت لهم سوء تصرفاتهم وعملهم في نصوص الكتاب والسنة بالتحريف فيها، وإخضاعها لعقولهم التي أصبحت الدليل المعول عليه في دينهم.
والقاعدة عند أهل السنة والجماعة أنه (لا يثب قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، وفي هذا المعنى روى الإمام البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمهما الله أنه قال: "من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم"1اهـ. وهو كلام جامع ونافع كما ترى، بإذن الله.
وهذا هو الموقف السليم شرعاً وعقلاً لأن التسليم للمتكلم في معرفة مراده أمر ضروري عقلاً إذ دلالة اللفظ على المعنى إنما هي بواسطة دلالته على ما عناه المتكلم وأراده، وإرادته وما عناه في نفسه لا تعرف إلا بدلالة