منها: تعريف القراء بأسماء رواة الحديث ورسوخ أسمائهم في أذهان الطلبة والمستفيدين على كثرة الترداد , فإنهم إن عرفوا ذلك سهل عليهم الإنتفاع بعلوم السلف الذين كانوا لا يصنفون في العقائد والأحكام والآداب إلا بالإسناد.

ومنها: البعد عن في الحكم على الأسانيد فالتقليد جهل بإجماع العلماء.

ومنها: معرفة قوة الخلاف وضعفه في الحكم على الإسناد , فالأسانيد ليست على درجة واحدة وأحكام النقاد عليها ليست على درجةٍ واحدة ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بإلف الإسناد وفقهه.

روى الرامهرمزي في [المحدث الفاصل ص 320]:" أنا محمد بن أحمد بن علي الدقاق، نا أحمد بن إسحاق النهاوندي، نا ابن خلاد، نا زنجويه بن محمد النيسابوري، بمكة نا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: سمعت علي بن المديني أنه قال:- التفقه في معاني الحديث نصف العلم , ومعرفة الرجال نصف العلم "

أقول: قد أصاب حية الوادي في العلل كبد الحقيقة إذ أن كثيراً من الفقهاء قد تكلفوا الإستنباط من الأخبار المنكرة والضعيفة وربما حاولوا الجمع بينها وبين الأخبار الصحيحة وهم بذلك يجهدون أذهانهم فيما لا حاجة له ولا طائل تحته وإنما أتوا من جهلهم بفقه الإسناد , وقد حمى الله أهل الحديث من هذا الرهق , وكما أن التقليد في معرفة معاني الآثار مذموم فالتقليد في فقه الإسناد مذمومٌ أيضاً , وكما أن العلو مطلوبٌ في معرفة معاني الآثار فالعلو مطلوبٌ أيضاً في فقه الإسناد وكما أن من يقلد في معرفة معاني الآثار ليس بعالم بإجماع العلماء ولا يوثق بعلمه , فكذلك الذي يقلد في فقه الإسناد أعني التصحيح والتضعيف ومن قلد في ذلك فقد وتر نصف علمه.

قال ابن القيم في [إعلام الموقعين 2/ 132]:" والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبيان زلة العالم ليبينوا بذلك فساد التقليد وأن العالم قد يزل ولا بد إذ ليس بمعصوم فلا يجوز قبول كل ما يقوله وينزل قوله منزلة قول المعصوم "

وقد أجمعوا على أن المقلد ليس من أهل العلم كما نقله ابن عبد البر في الجامع وتابعه ابن القيم في الإعلام [2/ 137]

واعلم أن المقلد لا ينطبق عليه شيء مما جاء في فضل العلم، إذ أنه ليس من العلماء والتقليد ليس علماً.

قال ابن القيم في [الإعلام 1/ 139]:" وروى هشام بن سعد عن زيد بن أسلم في قوله ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض قال بالعلم وإذا كان المقلد ليس من العلماء باتفاق العلماء لم يدخل في شيء من هذه النصوص وبالله التوفيق"

وأما في بيان ما ينوب الفقهاء المبتعدين عن طريقة أهل الحديث من ضياع للأعمار والعقول

فاقرأ ما قال الشاطبي في [الموافقات 1/ 71]:" وأما إذا كان الطريق مرتباً على قياسات مركبة أو غير مركبة، إلا أن إيصالها إلى المطلوب بعض التوقف للعقل، فليس هذا الطريق بشرعي، ولا تجده في القرآن، ولا في السنة، ولا في كلام السلف الصالح، فإن ذلك متلفة للعقل ومحارة له قبل بلوغ المقصود، وهو بخلاف وضع التعليم "

وقال ابن رجب في [فضل علم السلف على علم الخلف ص41]:" وأما ما حدث بعد الصحابة من العلوم التي توسع فيها أهلها وسموها علوماً، وظنوا أن من لم يكن عالماً فهو جاهل أو ضال فكلها بدعة "

وكما اعتنوا بالإسناد وعلوه في الرواية فقد اعتنوا بعلو الإسناد الفقهي فاعتنوا بفتاوي الصحابة رضوان الله عليهم، وما زال المتأخر منهم يعرف للمتقدم فضله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015