منتصر له ممن ترك تعظيمه وتنقصه، ويأبى الله ذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون: ((وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون، ولكن أكثرهم لا يعلمون)) ((وقيل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين وستردون إلى عال الغيب والشهادة فينبكم بما كنتم تعملون)) .
وقد خرجنا عن المقصود إلى غرضنا وهو الاستدلال على أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قربة؛ وما يدل على ذلك القياس، وذلك على زيارة النبي صلى الله عليه وسلم البقيع وشهداء أحد وسنيين أن ذلك غير خاص به صلى الله عليه وسلم، بل مستحب لغيره، وإذا استحب زيارة قبر غيره صلى الله عليه وسلم فقبره أولى لماله من الحق ووجوب التعظيم.
فإن قلت: الفرق أن غيره يزار للاستغفار له لاحتياجه إلى ذلك، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة أهل البقيع والنبي صلى الله عليه وسلم مستغن عن ذلك.
قلت: زيارته صلى الله عليه وسلم إنما هي لتعظيمه والتبرك به ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه كما إنا مأمورون بالصلاة عليه والتسليم، وسؤال الله له الوسيلة وغير ذلك مما يعلم أنه حاصل له صلى الله عليه وسلم بغير سؤالنا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى ذلك لتكون بدعائنا له متعرضين للرحمة التي رتبها الله على ذلك.
فإن قلت: الفرق أيضاً أن غيره لا يخشى فيه محذور، وقبره صلى الله عليه وسلم يخشى الإفراط في تعظيمه أن يعبد.
قلت: هذا كلام تقشعر منه الجلود، ولولا خشية اغترار الجهال به لما ذكرته فإن فيه تركاً لما دلت عليه الدلالة الشرعية بالآراء الفاسدة الخالية، وكيف يقدم على تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم ((زوروا القبور)) وعلى ترك قوله: ((من زار قبري وجبت له شفاعتي)) وعلى مخالفة إجماع السلف والخلف بمثل هذا الخيال الذي لم يشهد به كتاب ولا سنة، وهذا بخلاف النهي عن اتخاذه مسجداً وكون الصحابة احترزوا عن ذلك للمعنى المذكور، لأن ذلك قد ورد النهي فيه، وليس لنا نحن أن نشرع أحكاماً من قبلنا {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} (الشورى 021) فمن منع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد شرع من الدين ما لم يأذن له، وقوله مردود عليه، ولو فتحنا باب هذا الخيال الفاسد لتركنا كثيراً من السنن، بل ومن الواجبات، والقرآن كله والإجماع المعلوم من الدين بالضرورة وسير