الأمة بالعلم والإمامة والصدق والجلالة، وهو القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد أحد الأئمة الأعلام، وكان نظير الشافعي، وإماماً في سائر العلوم حتى قال المبرد: إسماعيل القاضي أعلم مني بالتصريف، وروى عن يحيى بن أكثم أنه رآه مقبلاً فقال: قد جاءت المدينة، وقد ذكر هذا النقل عن مالك في أشهر كتبه عند أصحابه وأجلها عندهم وهو المبسوط فمن فهو بمنزلة من كذب مالكاً والشافعي وأبا يوسف ونظراءهم.
ومتى وصل الهوى بصاحبه إلى هذا الحد فقد فضح نفسه وكفى خصمه مؤنته،ومن جمع أقوال مالك وأجوبته وضم بعضها إلى بعض، ثم جمعها إلى أقوال السلف وأجوبتهم قطع بمرادهم وعلم نصيحتهم للأمة، وتعظيمهم للرسول وحرصهم على اتباعه وموافقته في تجريد التوحيد وقطع أسباب الشرك، وبهذا جعلهم الله أئمة وجعل لهم لسان صدق في الأمة، وفلو ورد عنهم شيء خلاف هذا لكان من المتشابه الذي يرد إلى المحكم من كلامهم وأصولهم، فكيف ولم يصح عنهم حرف واحد يخالفه.
فتبين أن هذا التعظيم الذي قصده عباد القبور هو الذي كرهه أهل العلم وهو الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى أمته عنه، ولعن فاعله، وأخبر بشدة غضب الله عليه حيث يقول: ((اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (?) ،ويقول: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (?) ، ومعلوم قطعاً أنهم إنما فعلوا ذلك تعظيماً لهم ولقبورهم، فعلم أن من التعظيم للقبور ما يعلن الله فاعله ويشتد غضبه عليه.
الوجه الثاني عشر: أن هذا الذي يفعله عباد القبور من المقاصد والوسائل ليس بتعظيم، فإن التعظيم محله القلب واللسان، والجوارح وهم أبعد الناس منه، فالتعظيم بالقلب ما يتبع اعتقاد كونه رسولاً من تقديم محبته على نفسه والولد والوالد والناس أجمعين ويصدق هذه المحبة أمران:
أحدهما: تجريد التوحيد، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أحرص الخلق على تجريده حتى قطع أسباب الشرك ووسائله من جميع الجهات، ونهى عن عبادة الله بالتقرب إليه بالنوافل من الصلوات في الأوقات التي يسجد فيها عباد الشمس لها، بل قبل ذلك الوقت بعد أن