أحدهما أن يقال: هاتان المقدمتان إن أخذتا على إطلاقهما أنتجتا أن زيارة قبره واجبه وهو إنتاج لازم للمقدمتين لزوماً بيناً (?) ، فإن الضرب الأول من الشكل الأول والحد الأوسط فيه محمول في الأولى موضوع في الثانية، فتكون النتيجة موضوع الأولى ومحمول الثانية، وهي زيارة قبره واجبة، ثم يلزم على هذا لوازم منها أن تارك زيارة قبره عاص آثم مستحق للعقوبة منتفي العدالة لا تصح شهادته، ولا تقبل روايته ولا فتواه، وفي هذا تفسيق جميع الصحابة إلا من صح عنه منهم الزيارة، ولا ريب أن هذا شر من قول الرافضة الذين فسوقا جمهورهم بتركهم توليه علي، بل هو من جنس قول الخوارج الذين يكفرون بالذنب.
لأن تارك هذه الزيارة عنده تارك لتعظيمه، وترك تعظيمه كفر أو ملزوم للكفر، فإن تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان فعدمه مستلزم للكفر، وعلى هذا فكل من لم يزر قبره فهو كافر، لأنه تارك لتعظيمه صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن الرافضة والخوارج لم يصلوا إلى هذا الجهل والكذب على الله ورسوله وعلى الأمة.
يوضحه الوجه الثاني: أن الخوارج إنما كفروا الأمة بمخالفة أمره ومعصيته وتمسكوا بنصوص متشابهة لم يردوها إلى المحكم، وأما عباد القبور فكفروا بموافقة الرسول في نفس مقصوده، وجعلوا تجريد التوحيد كفراً وتنقصاً فأين المكفر بالذنب إلى المكفر بموافقة الرسول وتجريد التوحيد؟
يوضحه الوجه الثالث: أن زيارة قبره لو كانت تعظيماً له لكانت مما لا يتم الإيمان إلا بها، ولكان فرضاً معيناً على كل من استطاع إليها سبيلاً، من قرب أو بعد، ولما أضاع السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان هذا الفرض قام به الخلف الذين خلفوا من بعدهم يزعمون أنهم بذلك أولياء الرسول وحزبه القائمون بحقوقه، وما كانوا أولياء إن أولياؤه إلا أهل طاعته والقيام بما جاء به علماً ومعرفة وعملاً وإرشاداً وجهاداً، والذين جردوا التوحيد الخالق وعرفوا للرسول حقه، ووافقواه في تنفيذ ما جاء به والدعوة إليه والذب عنه.
الوجه الرابع: أنه إذا كان زيارة قبره واجبة على الأعيان كانت الهجرة إلى القبر أكد من الهجرة إليه في حياته، فإن الهجرة إلى المدينة انقطعت بعد الفتح كما قال