إن جعلناه معطوفاً على جاءوك لم يحتج إليه، هذا كله إن سلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستغفر بعد الموت، ونحن لا نسلم ذلك لما سنذكره من حياته صلى الله عليه وسلم واستغفاره لأمته بعد موته، جاء مستغفراً ربه تعالى، فقد ثبت على كل تقدير أن الأمور الثلاثة المذكورة في الآية حاصلة لمن يجيء إليه صلى الله عليه وسلم مستعفراً في حياته وبعد مماته.
والآية وإن وردت في أقوام معينين في حالة الحياة فتعم بعموم العلة كل من وجد فيه ذلك الوصف في الحياة وبعد الموت.
ولذلك فهم العلماء من الآية العموم في الحالتين، واستحبوا لمن أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلوا هذه الآية ويستغفر الله تعالى، وحكاية العتبي في ذلك مشهورة وقد حكاها المصنفون في المناسب من جميع المذاهب والمؤرخون وكلهم استحسنوها ورأوها من أدب الزائر، ومما ينبغي له أن يفعله، وقد ذكرناها في آخر الباب الثالث، انتهى ما ذكره.
والجواب: أن يقال: قوله: وهي قربة بالكتاب والسنة والإجماع والقياس، الكلام عليه من وجوه.
الأول: مطالبته بتصحيح دعواه وإلا كانت مجردة عما يثبتها.
الثاني: أن القربة هي ما يجعله الله ورسوله قربة، إما بأمره، وإما باختياره إنها قربة وإما بالثناء على فاعلها، وإما يجعل الفعل سبباً لثواب يتعلق عليه، أو تكفير سيئات، أو غير ذلك من الوجوه التي يستدل بها على كون الفعل محبوباً لله مقرباً إليه.
الثالث: إنه لا يكفي مجرد كون الفعل محبوباً له في كونه قربة، وإنما يكون قربة إذا لم يستلزم أمراً مبغوضاً مكروهاً له، أو تفويت أمر هو أحب إليه من ذلك الفعل، وأما إذا استلزم ذلك فلا يكون قبرة، وهذا كما أن إعطاء غير المؤلفة قلوبهم من فقراء المسلمين وذوي الحاجات منهم؛ وإن كان محبوباً لله فإنه لا يكون قربة إذا تضمن فوات ما هو أحب إليه من إعطاء من يحصل بعطيته قوة في الإسلام وأهله،وإن كان قوياً غنياً غير مستحق.
وكذلك التخلي لنوافل العبادات إنما يكون قربة إذا لم يستلزم تعطيل الجهاد الذي هو أحب إلى الله سبحانه من تلك النوافل، وحينئذ فلا يكون قربة في تلك الحال، وإن كان قربة في غيرها.
وكذلك الصلاة في وقت النهي إنما لم تكن قربة لاستلزامها ما يبغضه الله سبحانه ويكرهه من التشبه ظاهراً بأعدائه الذين يسجدون للشمس في ذلك الوقت.