قولهم: "حق البشرية انغمر في حق الرسالة وحق الآدمي انغمر في حق الله".
قلنا: هذه دعوة محضة ولو كان كذلك لما جاز للنبي عليه الصلاة والسلام العفو عمن سبه ولا جاز عقوبته بعد مجيئه تائبا ولا احتيج خصوص السب أن يفرد بذكر العقوبة لعلم كل أحد أن سب الرسول أغلظ من الكفر به فلما جاءت الأحاديث والآثار في خصوص سب الرسول بالقتل علم أن ذلك لخاصة في السب وإن اندرج في عموم الكفر.
وأيضا فحق العبد لا ينغمر في حق الله قط نعم العكس موجود كما تندرج عقوبة القاتل والقاذف على عصيانه لله في القود وحد القذف أما أن يندرج حق العبد في حق الله فباطل فإن من جنى جناية واحدة تعلق بها حقان لله ولآدمي ثم سقط حق الله لم يسقط حق الآدمي سواء كان من جنس أو جنسين كما لو جنى جنايات متفرقة كمن قتل في قطع الطريق فإنه إذا سقط عنه تحتم القتل لم يسقط عنه القتل ولو سرق سرقة ثم سقط عنه القطع لم يسقط عنه الغرم بإجماع المسلمين حتى عند من قال "إن القطع والغرم لا يجتمعان" نعم إذا جنى جناية واحدة فيها حقان لله ولآدمي: فإن كان موجب الحقين من جنس واحد تداخلا وإن كانا من جنسين ففي التداخل خلاف معروف مثال الأول قتل المحارب فإنه يوجب القتل حقا لله وللآدمي والقتل لا يتعدد فمتى قتل لم يبق للآدمي حق في تركته من الدية وإن كان له أن يأخذ الدية إذا قتل عدة مقتولين فيقتل ببعضهم عند الشافعي وأحمد وغيرهما أما إن قلنا: "إن موجب العمد القود عينا" فظاهر وإن قلنا: "إن موجبه أحد شيئين" فإنما ذاك حيث يمكن العفو وهنا لا يمكن العفو وصار موجبه القود عينا وولي استيفائه الإمام لأن ولايته أعم ومثال الثاني أخذ المال