وكون القاذف له لم يجب عليه مع القتل جلد ثمانين أوضح دليل على أن القتل عقوبة لخصوص السب وإلا كان قد اجتمع حقان: حق لله وهو تكذيب رسوله فيوجب القتل وحق لرسوله وهو سبه فيوجب الجلد على هذا الرأي فكان ينبغي قبل التوبة على هذا أن يجتمع عليه الحدان كما لو ارتد وقذف مسلما وبعد التوبة يستوفى منه حد القذف فكان إنما للنبي عليه الصلاة والسلام أن يعاقب من سبه وجاء تائبا بالجلد فقط كما أنه ليس للإمام أن يعاقب قاطع الطريق إذ جاء تائبا إلا بالقود ونحوه مما هو خالص حق الآدمي ولو سلمنا أن القتل حق الرسالة فقط فهو ردة مغلظة بما فيه ضرر أو نقض مغلظ بما فيه ضرر كما لو اقترن بالنقض حراب وفسادا بالفعل من قطع طريق وزنى بمسلمة وغير ذلك فإن القتل هنا حق لله ومع هذا لم يسقط بالتوبة والإسلام وهذا متحقق سواء قلنا إن ساب الله يقتل بعد التوبة أو لا يقتل كما تقدم تقريره.
قولهم: "إذا أسلم سقط القتل المتعلق بالرسالة".
قلنا: هذا ممنوع أما إذا سوينا بينه وبين سب الله فظاهر وإن فرقنا فإن هذا شبه من باب فعل المحارب لله ورسوله الساعي في الأرض فسادا والحاجة داعية إلى ردع أمثاله كما تقدم وإن سلمنا سقوط الحق المتعلق بالكفر بالرسالة لكن لم يسقط الحق المتعلق بشتم الرسول وسبه فإن هذه جناية زائدة على نفس الرسول مع التزام تركها فإن الذمي يلتزم لنا أن لا يظهر السب وليس ملتزما لنا أن لا يكفر به فكيف يجعل ما التزم تركه من جنس ما أقررناه عليه؟ وجماع الأمر أن هذه الجناية على الرسالة له نقض يتضمن حرابا وفسادا أو ردة تضمنت فسادا وحرابا وسقوط القتل عن مثل هذا ممنوع كما تقدم.