صدر منه قبل الإسلام فعلم أن المراد أن المسلم الذي تكلم بالشهادتين يعصم دمه لا يبيحه بعد هذا إلا إحدى الثلاث ثم لو اندرج هذا في العموم لكان مخصوصا بما ذكرناه من أن قتله حد من الحدود وذلك أن كل من أسلم فإن الإسلام يعصم دمه فلا يباح بعد ذلك إلا بإحدى الثلاث وقد يتخلف الحكم عن هذا المقتضى لمانع من ثبوت حد قصاص أو زنى أو نقض عهد فيه ضرر وغير ذلك ومثل هذا كثيرا في العمومات.
وأما الآية على الوجهين الأولين فنقول: إنما تدل على أن من كفر بعد إيمانه ثم تاب وأصلح فإن الله غفور رحيم ونحن نقول بموجب ذلك أما من ضم إلى الكفر انتهاك عرض الرسول والافتراء عليه أو قتله أو قتل واحد من المسلمين أو انتهك عرضه فلا تدل الآية على سقوط العقوبة عن هذا على ذلك والدليل على ذلك قوله سبحانه: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} فإن التوبة عائدة إلى الذنب المذكور والذنب المذكور هو الكفر بعد الإيمان وهذا أتى بزيادة على الكفر توجب عقوبة بخصوصها كما تقدم والآية لم تتعرض من للتوبة من غير الكفر ومن قال "هو زنديق" قال: أنا لا أعلم أن هذا تاب ثم إن الآية إنما استثنى فيها من تاب وأصلح وهذا الذي رفع إليّ لم يصلح وأنا لا أؤخر العقوبة الواجبة عليه إلى أن يظهر صلاحه نعم الآية قد تعم من فعل ذلك ثم تاب وأصلح قبل أن يرفع إلى الإمام وهذا قد يقول كثير من الفقهاء بسقوط العقوبة على أن الآية التي بعدها قد تشعر بأن المرتد قسمان: قسم تقبل توبته وهو من كفر فقط وقسم لا تقبل توبته وهو من كفر ثم ازداد كفرا قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} وهذه الآية وإن كان قد تأولها أقوام على من ازداد كفرا إلى أن عاين الموت فقد يستدل بعمومها