وفي مراسيل أبي داود عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ضرب أباه فاقتلوه" وبالجملة فلا يخفى على لبيب أن حقوق الوالدين لما كانت أعظم كان النكال على أذاهما باللسان وغيره أشد مع أنه ليس كفرا فإذا كان قد أوجب له من الحقوق ما يزيد على التصديق وحرم من أنواع أذاه ما لا يستلزم التكذيب فلا بد لتلك الخصائص من عقوبات على الفعل والترك ومما هو كالإجماع من المحققين امتناع أن يسوى بينه وبين غيره في العقوبة على خصوص أذاه وهو ظاهر لم يبق إلا أن يكون القتل جزاء ما قوبل به من حقوقه بالعقوق جزاء وفاقا وأنه لقليل له ولعذاب الآخرة أشد وقد لعن الله مؤذيه في الدنيا والآخرة وأعد له عذابا مهينا.
الطريقة السادسة والعشرون: أنا قد قدمنا من السنة وأقوال الصحابة ما دل على قتل من آذاه بالتزوج بنسائه والتعرض بهذا الباب لحرمته في حياته أو بعد موته وأن قتله لم يكن حد الزنا من وطء ذوات المحارم وغيرهن بل لما في ذلك من أذاه فإما أن يجعل هذا الفعل كفرا أو لا يجعل فإن لم يجعل كفرا فقد ثبت قتل من آذاه مع تجرده عن الكفر وهو المقصود فالأذى بالسب ونحوه أغلظ وإن جعل كفرا فلو فرض أنه تاب منه لم يجز أن يقال: يسقط القتل عنه لأنه يستلزم أن يكون من الأفعال ما يوجب القتل ويسقط بالتوبة بعد القدرة وثبوته عند الإمام وهذا لا عهد لنا به في الشريعة ولا يجوز إثبات مالا نضير له إلا بنص وهو لعمري سمح فإن إظهار التوبة باللسان من فعل تشتهيه النفوس سهل على ذي الغرض إذا أخذ