إلى أن عفا عنه بعد الشفاعة وأعرض عن أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية وقد جاءا مسلمين مهاجرين وأراق دماء من سبه من النساء من غير قتال وهن منقادات مستسلمات وقد كان هؤلاء حربيين لم يلتزموا ترك سبه ولا عاقدونا على ذلك فالذي عقد الأيمان أو الأمان على ترك سبه إذا جاء يريد الإسلام ويرغب فيه إما أن يجب قبول الإسلام منه والكف عنه أو لا يجب فإن قيل "يجب" فهو خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن قيل "لا يجب" فهو دليل على أنه إذا جاء ليتوب ويسلم جاز قتله وكل من جاز قتله وقد جاء مسلما تائبا مع علمنا بأنه قد جاء كذلك جاز قتله وإن أظهر الإسلام والتوبة لا نعلم بينهما فرقا عند أحد من الفقهاء في جواز القتل فإن إظهار إرادة الإسلام هي أول الدخول فيه كما أن التكلم بالشهادتين هو أول الالتزام له ولا يعصم الإسلام إلا دم من يجب قبوله منه فإذا أظهر أنه يريده فقد بذل ما يجب قبوله فيجب قبوله كما لو آذاه.

وهنا نكتة حسنة وهي أن ابن أبي أمية وأبا سفيان لم يزالا كافرين وليس في القصة بيان أنه أراد قتلهما بعد مجيئهما وإنما فيها الإعراض عنهما وذلك عقوبة من النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما حديث ابن أبي سرح فهو نص في إباحة دمه بعد مجيئه لطلب البيعة وذلك لأن ابن أبي سرح كان مسلما فارتد وافترى على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يتمم له القرآن ويلقنه ما يكتبه من الوحي فهو ممن ارتد بسب النبي صلى الله عليه وسلم ومن ارتد بسبه فقد كان له أن يقتله من غير استتابة وكان له أن يعفو عنه وبعد موته تعين قتله.

وحديث ابن زنيم فإنه أسلم قبل أن يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم مع بقاء دمه مندورا مباحا إلى أن عفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن روجع في ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015