لا يشرع الستر عليه ولا يستحب التعريض للشهود بترك الشهادة عليه وتجب إقامة الشهادة عليه عند الحاكم ولا يستحب العفو عنه قبل الرفع إلى الحاكم وإن كان قد ارتد سرا لأنه متى رفع إلى الحاكم استتابه فنجاه من النار وإن لم يتب قتله فقصر عليه مدة الكفر فكان رفعه مصلحة له محضة بخلاف من استسر لقاذورة من القاذورات فإنه لا ينبغي التعرض إليه لأنه إذا رفع يقتل حتما وقد يتوب إذا لم يرفع فلم يكن الرفع له مصلحة محضة وإنما المصلحة للناس فإذا لم تظهر الفاحشة لم تضرهم.
ومن سب الرسول فإنما يقتله لأذاه لله ولرسوله وللمؤمنين ولطعنه في دينهم فكان بمنزلة من أظهر قطع الطريق والزنى ونحوه المغلب فيه جانب الردع والزجر وإن تضمن مصلحة الجاني وكان قتله لأنه أظهر الفساد في الأرض وكذلك لو سب الذمي سرا لم يتعرض له وكذلك لم ينبغي الستر عليه لأن من أظهر الفساد لا يستر عليه بحال.
وقوله: "السب مستلزم للكفر والحراب بخلاف تلك الجرائم" قلنا: ليس لنا سب خال عن كفر حتى تجرد العقوبة له بل العقوبة على مجموع الأمرين وهذه الملازمة لا توهن أمر السب فإن كونه مستلزما للكفر يوجب تغلظ عقوبته فإذا انفصل الكفر عنه فيما بعد لم يلزم أن لا يكون موجبا للعقوبة إذا كان هو في نفسه يتضمن من المفسدة ما يوجب العقوبة والزجر كما دل عليه الكتاب والسنة والأثر والقياس.
ثم نقول: أقصى ما يقال أنه حد على كفر مغلظ فيه ضرر على المسلمين صدر عن مسلم أو معاهد فمن أين لهم أن مثل هذا تقبل منه التوبة بعد القدرة؟ فإنا قد قدمنا أن التوبة إنما شرعت في حق من تجردت ردته أو تجرد نقضه للعهد فأما من تغلظت ردته أو نقضه بكونه مضرا بالمسلمين فلا بد من عقوبته بعد التوبة.