أن يكون أجره على الله وتمكينه من أن يدفع بالتي هي أحسن السيئة كما أمره الله وتمكينه من استعطاف النفوس وتأليف القلوب على الإيمان واجتماع الخلق عليه وتمكينه من ترك التنفير عن الإيمان وما يحصل بذلك من المصلحة يغمر ما يحصل باستبقاء الساب من المفسدة كما دل عليه قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} .
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم نفس هذه الحكمة حيث قال: "أكره أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" وقال فيما عامل به ابن أبي من الكرامة "رجوت أن يؤمن بذلك ألف من قومه" فحقق الله رجاءه ولو عاقب كل من آذاه بالقتل لخامر القلوب عقدا أو وسوسة أن ذلك لما في النفس من حب الشرف وأنه من باب غضب الملوك وقتلهم على ذلك ولو لم يبح له عقوبته لانتهك العرض واستبيحت الحرمة وانخل رباط الدين وضعفت العقيدة في حرمة النبوة فجعل الله له الأمرين فلما انقلب إلى رضوان الله وكرامته ولم يبق واحدا مخصوص من الخلق إليه استيفاء هذه العقوبة والعفو عنها والحق فيها ثابت لله سبحانه ورسول الله عليه الصلاة والسلام ولعباده المؤمنين وعلم كل ذي عقل أن المسلمين إنما يقتلونه لحفظ الدين وحفظ حمى الرسول ووقاية عرضه فقط كما يقتلون قاطع الطريق لأمن الطرقات من المفسدين وكما يقطعون السارق لحفظ الأموال وكما يقتلون المرتد صونا للداخلين في الدين عن الخروج عنه ولم يبق هنا توهم مقصود جزوي كما قد كان يتوهم في زمانه أن قتل الساب كذلك