الصلاة والسلام قد تعلق به حق الله وحق كل مؤمن فإن أذاه ليس مقصورا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط كمن سب واحدا من عرض الناس بل هو أذى لكل مؤمن كان ويكون بل هو عندهم من أبلغ أنواع الأذى ويود كل منهم أن يفتدي هذا العرض بنفسه وأهله وماله وعرضه كما تقدم ذكره عن الصحابة من أنهم كانوا يبذلون دماءهم في صون عرضه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدح من فعل ذلك سواء قتل أو غلب ويسميه ناصر الله ورسوله ولو لم يكن السب أعظم من قتل بعض المسلمين لما جاز بذل الدم في صون عرض واحد من الناس وقد قال حسان بن ثابت يخاطب أبا سفيان بن الحارث:
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبى ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
وذلك أنه انتهاك للحرمة التي نالوا بها سعادة الدنيا والآخرة وبها ينالها كل واحد سواهم وبها يقام دين الله ويرضى الله عن عباده ويحصل ما يحبه وينتفي ما يبغضه كما أن قاطع الطريق وإن قتل واحدا فإن مفسدة قطع الطريق تعم جميع الناس فلم يفوض الأمر فيه إلى ولي المقتول.
نعم كان الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مفوضا إليه فيمن سبه: إن أحب عفا عنه وإن أحب عاقبه وإن كان في سبه حق الله ولجميع المؤمنين لأن الله سبحانه يجعل حقه في العقوبة تبعا لحق العبد كما ذكرناه في القصاص وحقوق الآدميين تابعة لحق الرسول فإنه أولى بهم من أنفسهم ولأن في ذلك تمكينه صلى الله عليه وسلم من أخذ العفو والأمر بالعرف والإعراض عن الجاهلين الذي أمره الله تعالى به في كتابه وتمكينه من العفو والإصلاح الذي يستحق به