عصم دمه وماله وقد كان كثير من المشركين مثل ابن الزبعرى وكعب بن زهير وأبي سفيان بن الحارث وغيرهم يهجون النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع الهجاء ثم أسلموا فعصم الإسلام دماءهم وأموالهم وهؤلاء وإن كانوا محاربين لم يكونوا من أهل العهد فهو دليل على أن حقوق الآدميين التي يستحلها الكافر إذا فعلها ثم أسلم سقطت عنه كما تسقط عنه حقوق الله ولهذا أجمع المسلمون إجماعا مستنده كتاب الله وسنة نبيه الظاهرة أن الكافر الحربي إذا أسلم لم يؤخذ بما كان أصابه من المسلمين من دم أو مال أو عرض والذمي إذا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه معتقد حل ذلك وعقد الذمة لم يوجب عليه تحريم ذلك فإذا أسلم لم يؤخذ به بخلاف ما يصيبه من دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم فإن عقد الذمة يوجب تحريم ذلك عليه منا كما يوجب تحريم ذلك علينا منه وإن كان يوجب علينا الكف عن سب دينهم والطعن فيه فهذا أقرب ما يتوجه به الاستدلال بقصص هؤلاء وإن كان الاستدلال به خطأ.
وأيضا فإن الذمي إما أن يقتل إذا سب لكفره أو حرابه كما يقتل الحربي الساب أو يقتل حدا من الحدود كما يقتل لزناه بذمية وقطع الطريق على ذمي والثاني باطل فتعين الأول وذلك لأن السب من حيث هو سب ليس فيه أكثر من انتهاك العرض وهذا القدر لا يوجب إلا الجلد بل لا يوجب على الذمي شيئا لاعتقاده حل ذلك نعم إنما صولح على الكف عنه والإمساك فمتى أظهر السب زال العهد وصار حربيا ولأن كون السب موجبا للقتل حدا حكم شرعي فيفتقر إلى دليل ولا دليل على ذلك إذا أكثر ما يذكر من الأدلة إنما يفيد أنه يقتل وذلك متردد بين كون القتل لكفره وحرابه أو لخصوص السب ولا يجوز إثبات الأحكام بمجرد الاستحسان والاستصلاح فإن ذلك شرع للدين بالرأي وذلك حرام لقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ