فإن قيل: فهلا حكيتم خلافا أنه يتعين قتل هذا الناقض للعهد كما يتعين قتل غيره من الناقضين كما سيأتي وقد قال أبو الخطاب: إذا حكمنا بنقض عهد الذمي فظاهر كلام الإمام أحمد أنه يقتل في الحال قال: وقال شيخنا: يخير الإمام فيه بين أربعة أشياء فأطلق الكلام فيمن نقض العهد مطلقا وتبعه طائفة على الإطلاق ومن قيده قيده بأن ينقضه بما فيه ضرر على المسلمين مثل قتالهم ونحوه فأما إن نقضه بمجرد اللحاق بدار الحرب فهو كالأسير ويؤيد هذا ما رواه عبد الله بن أحمد قال: سألت أبي عن قوم نصارى نقضوا العهد وقاتلوا المسلمين قال: "أرى أن لا يقتل الذرية ولا يسبون ولكن يقتل رجالهم" قلت لأبي: فإن ولد لرجالهم أولاد في دار الحرب قال: "أرى أن يسبوا أولئك ويقتلوا" قلت لأبي: فإن هرب من الذرية إلى دار الحرب أحد فسباهم المسلمون ترى لهم أن يسترقوا؟ قال: "الذرية لا يسترقون ولا يقتلون لأنهم لم ينقضوا هم إنما نقض العهد رجالهم وما ذنب هؤلاء؟ " فقد أمر رحمه الله بقتل المقاتلة من هؤلاء إما لمجرد النقض أو للنقض والقتال.
قلنا: قد ذكرنا فيما مضى نص أحمد على أن من نقض العهد وقاتل المسلمين فإنه يجري عليه ما يجري على أهل الحرب من الأحكام وإذا أسر حكم فيه الإمام بما رأى.
ونص رحمه الله فيمن لحق بدار الحرب على أنه يسترق في رواية وعلى أن يعاد إلي ذمته في رواية أخرى فلم يجز أن يقال: ظاهر كلامه في هذه الصورة يدل على وجوب قتله مع تصريحه بخلاف ذلك كيف والذين قالوا ذلك إنما أخذوا من كلامه في مسائل شتى ليست هذه الصورة منها؟ على أن أبا الخطاب وغيره لم يذكروا هذه الصورة ولم يدخل في كلامهم أعني صورة اللحاق بدار الحرب وإنما ذكروا من نقض العهد بأن ترك ما يجب عليه في العهد أو فعل ما ينتقض به عهده وهو في قبضة المسلمين.