فقال: "إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت وفي أنفس المسلمين شيء من ذلك فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك" قال: نعم فلما كان الغد أو العشي جاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صاحبكم هذا جاء فسألنا فأعطيناه فقال ما قال وإنا دعوناه إلى البيت فأعطيناه فزعم أنه قد رضي أكذلك؟ " قال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا فناداهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فجاءت فاستناخت فشد عليها رحلها واستوى عليها وإني لو تركتكم حين قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار ".
ورواه أبو أحمد العسكري بهذا الإسناد قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أعطني فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك فأغلظ للنبي صلى الله عليه وسلم فوثب إليه أصحابه فقالوا: يا عدو الله تقول هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ".
وذكره بهذا يبين لك أن قتل ذلك الرجل لأجل قوله ما قال كان جائزا قبل الاستتابة وأنه صار كافرا بتلك الكلمة ولولا ذلك لما كان يدخل النار إذا قتل على مجرد تلك الكلمة بل كان يدخل الجنة لأنه مظلوم شهيد وكان قاتله دخل النار لأنه قتل مؤمنا متعمدا ولكان النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن قتله لم يحل لأن سفك الدم بغير حق من أكبر الكبائر وهذا الأعرابي كان مسلما ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حقه لفظ "صاحبكم" ولهذا جاءه الأعرابي يستعينه ولو كان كافرا محاربا لما جاء