عما بعده من كلامه الذي ذكر فيه إجماع العلماء على أن الربا صنفان نسيئة وتفاضل وأن الربا في هذين النوعين ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذه الجملة تنقض على الفتان ما تقوَّله على ابن رشد أنه قد حاول الكسر من حدة التطرف والتشدد في الربا. وسيأتي -إن شاء الله تعالى- ذكر الجملة التي نقلها الفتان وذكر الجملة التي لم ينقلها ليعلم المُطَّلعون على ذلك أن الفتان قد افترى على ابن رشد ولم يؤدِّ الأمانة في نقله لبعض كلامه وإعراضه عن بعضه.
وأما ابن القيم -رحمه الله تعالى- فله في ربا الفضل كلام ليس بالجيد وسيأتي التنبيه عليه -إن شاء الله تعالى-.
وأما الاتجاه الذي ذكره الفتان وزعم أنه أكثر تضييقا لمنطقة الربا حيث أنه جعل كلاً من ربا الفضل وربا النسيئة الواردين في الحديث الشريف محرمين لا لذاتهما بل سدا للذرائع. وربا الجاهلية هو وحد المحرم لذاته.
فجوابه: أن يقال: هذا من التحكم في الأحاديث ووضعها على غير مواضعها وجعل الآراء والاتجاهات التي يراها بعض الناس بعقولهم القاصرة ميزانا توزن به أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا الصنيع عظيم الخطر؛ لأن الله -تعالى- يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا}، وقال -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وقال -تعالى-: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وقال -تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، قال الإمام أحمد: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك".
وإذا علم هذا فليعلم أيضا أنه يجب على كل مسلم أن يعظم أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - غاية التعظيم وأن يقابلها بالقبول والتسليم. وليحذر أشد الحذر من التهاون بها وجعلها تابعة لأقوال الناس وآرائهم واتجاهاتهم فإنه لا قول لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكل قول أو رأي أو اتجاه خالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مردود على صاحبه كائنا من كان. وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وضع ربا الجاهلية وقال للمرابين لكم رؤوس أموالكم فإنه أيضا قد نهى أمته عن ربا الفضل وربا النسيئة في الأصناف الستة وهي الذهب .........................................