والجواب: أن يقال: إن ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره من الذين كانوا يقولون إنما الربا في النسيئة قد رجعوا عن أقوالهم ووافقوا الجماعة، وقد ذكرت الآثار الواردة في رجوعهم في أثناء الكتاب فلتراجع (?) ففيها أبلغ رد على الفتان.
ويقال أيضا على سبيل الفرض والتقدير لو أن ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره ممن قالوا إنما الربا في النسيئة لم يرجعوا عن هذا القول فإن قولهم مردود بالسنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل سواء بسواء يدًا بيد، ونهى أن يشف بعضها على بعض، وقال في بيع الفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثل ذلك وقال: «من زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء» وقد ذكرت الأحاديث الواردة في ذلك في أثناء الكتاب فلتراجع (?) فإنها حجة على من خالفها، وقد قال ابن عبد البر: "رجع ابن عباس أو لم يرجع، في السنة كفاية عن قول كل أحد ومن خالفها رد إليها، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ردوا الجهالات إلى السنة". انتهى. وقال ابن عبد البر أيضا: "ولم يتابع ابن عباس على قوله في تأويله حديث أسامة أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من بعدهم من فقهاء المسلمين إلا طائفة من المكيين أخذوا ذلك عنه وعن أصحابه، وهم محجوجون بالسنة الثابتة التي هي الحجة على من خالفها وجهلها، وليس أحد بحجة عليها". انتهى.
فصل
وزعم الفتان أن الربا الذي كان معروفا في الجاهلية هو الذي نزل فيه القرآن.
والجواب: أن يقال: إن نصوص القرآن عامة فيدخل في عمومها ربا الفضل وربا النسيئة. فما جاء في الآية الأولى من الوعيد لأكلة الربا بأنهم لا يقومون - يعني يوم القيامة - إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، فهو عام لربا الفضل وربا النسيئة، وما جاء فيها أيضا من الإنكار على من سوَّى بين البيع والربا فهو عام لربا الفضل وربا النسيئة، وما جاء فيها أيضا من النص على تحريم الربا فهو عام لربا .............................