والجواب: أن يقال: قد ثبتت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعيين ستة أشياء مما يجري فيه الربا؛ وهي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وقد تقدم ذكرها في حديث أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، ومثله في حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، وجاء أيضا عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وبلال -رضي الله عنهم- نحو ذلك، وقد تقدمت أحاديثهم فلتراجع.
فأما الحديث الذي أورده الفتان فإنه حديث منقطع الإسناد ولم يعزه إلى شيء من كتب الحديث حتى يرجع إليه وينظر في رجاله، وقد ذكر أنه رواه محمد بن أبي حنيفة، وهذا الاسم غير موجود في أسماء الضعفاء والمتروكين والوضاعين فضلا عن أن يكون موجودا في أسماء الثقات. وقد ذكر الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد): "محمد بن حنيفة بن محمد بن ماهان أبا حنيفة القصبي الواسطي وذكر أنه أملى في سنة سبع وتسعين ومائتين"، وذكر عن الدارقطني أنه قال: "ليس بالقوي". وذكره الذهبي في كتاب (المغنى في الضعفاء) وفي (ميزان الاعتدال) وذكر قول الدارقطني أنه ليس بالقوي. وذكره ابن حجر في (لسان الميزان) وقال أنه كان موجودا في حدود سنة ثلاثمائة.
وإذا علم هذا فليس من المعقول أن يروي عن عطية العوفي؛ لأن عطية كان في المائة الأولى ومات في سنة إحدى عشرة ومائة. ولو فرضنا أن الحديث روي بإسناد متصل إلى عطية العوفي فإنه يكون مردودا بعطية؛ لأن الأئمة قد تكلموا فيه وضعفه غير واحد منهم، ولو صح لكان حجة على الفتان لأن فيه نصا على أن الفضل في بيع الجنس بجنسه من الأنواع الستة ربا، وما ثبت تعيينه في السنة فهو مثل ما جاء تعيينه في القرآن ويجب العمل به كما يجب العمل بما جاء في القرآن. والدليل على هذا قول الله -تعالى-: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «ألا وإن ما حرم رسول الله فهو مثل ما حرم الله» رواه الدارمي والترمذي وابن ماجة والحاكم عن المقدام بن معد يكرب -رضي الله عنه- وقال الترمذي: "حسن غريب"، وصححه الحاكم وأقره الذهبي.
فصل
وذكر الفتان عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وطائفة من الصحابة أنهم قصروا الربا على الذي كان معروفا في زمن الجاهلية. وقد كرر الفتان نقل ذلك عن ابن عباس.