صدقت. رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن وغيرهم من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقال الترمذي: "هذا حيث حسن صحيح". فهذا الإيمان الذي نص عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدَّقه عليه جبريل هو الذي يملأ قلوب المؤمنين في كل زمان ومكان، ومن زاد عليه شيئا لم يأمر الله به ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فزيادته مردودة عليه؛ لأنها من الشرع الذي لم يأذن به الله.
وأما الإيضاح فقال الفتان فيه: "لقد قمت بهذا البحث مقتديًا بموقف من مواقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع بعض أصحابه حيث قدمت إليه قضية للنظر فيها فقال لعمرو بن العاص: «احكم» فقال: أجتهد وأنت حاضر؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم إن أصبتَ فلك أجران وإن أخطأتَ فلك أجر» لهذا أُقدِّم ما وسعني الجهد وأعرضه على من هم خير مني".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- حديث ضعيف قد رواه الإمام أحمد والدارقطني من طريق الفرج بن فضالة وهو ضعيف، وفي إسناده أيضا محمد بن عبد الأعلى بن عدي وهو مجهول، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: "فيه من لم أعرفه"، وما كان بهده الصفة فإنه لا يعتد به.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الفتان قد تعدى طوره وتجاوز الحد الذي يليق به؛ وذلك أنه وضع نفسه في موضع القضاة الذين يحكمون بين الناس، وإنه لينطبق عليه ما جاء في المثل المشهور "ليس هذا بعُشّك فادرجي" وقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم عن بريدة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «القضاة ثلاثة؛ واحد في الجنة واثنان في النار؛ فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار» صححه الحاكم، ورواه أيضا بنحوه وزاده فيه: قالوا فما ذنب هذا الذي يجهل؟ قال: «ذنبه أن لا يكون قاضيا حتى يعلم» قال الذهبي على شرط مسلم، وفي رواية ذكرها رزين قال: «فأما الذي في الجنة فهو رجل قضى بكتاب الله وسنة نبيه لا يألو عن الحق، وأما اللذان في النار فرجل قضى بجور وآخر افترى على القضاء فقضي بغير علم».
وإذا علم ما جاء في هذا الحديث من التشديد في القضاء بالجور وبالجهل فليعلم أيضا أن الفتان لا ينفك من أحد هذين الوصفين الذميمين وأشدهما مطابقة له صفة الجهل؛ لأن كلامه من أول بحثه إلى آخره كله جهل وضلال، ومداره على الحكم ...................