والمكاسب الطيبة قبل وجود المصارف وبعد وجودها ولم يجعل حاجاتهم ومصالح معاشهم متوقفة على المعاملات المصرفية، فوجودها وعدمها بالنسبة لحاجات العباد ومصالح معاشهم سواء. وما لفَّقه الفتان في دعوته المُلحّة إلى إجماع في الرأي يضمن حاجات الناس ويضمن للأمة الإسلامية الاستفادة من قوتها الاقتصادية فهو باطل وضلال؛ لأنه يتضمن رد النصوص من الكتاب والسنة على تحريم الربا تحريما مطلقًا يشمل جميع أنواع الربا ويشمل المصارف وغير المصارف مما يتعامل فيه بالربا ويتضمن أيضًا رد الإجماع على تحريم الربا، وما كان بهذه المثابة فهو مردود ومضروب به عرض الحائط.
الوجه السادس: أن يقال: إن النظر في قواعد الشريعة والعمل بمقتضاها بابه الاجتهاد ولا محل للإجتهاد مع وجود الدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع. وإنما يصار إليه إذا لم يوجد الدليل من هذه الأصول الثلاثة، وعلى هذا إجماع أهل العلم، والدليل على ذلك قول الله -تعالى-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} والدليل عليه من السنة حديث معاذ بن جبل -رضي لله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال: أقضي بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟» قال: أقضي بسنة رسول الله، قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله؟» قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره وقال: «الحمد لله الذي وفَّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله»، رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والدارمي والدارقطني والبيهقي.
وروي النسائي عن شريح أنه كتب إلى عمر -رضي الله عنه- يسأله فكتب إليه "أن اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقضي به الصالحون فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر ولا أرى التأخر إلا خيرًا لك، والسلام عليكم" وقد رواه الدارمي والبيهقي بنحوه.
وروى الدارمي والنسائي والبيهقي أيضا عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "إذا سئلتم عن شيء فانظروا في كتاب الله فإن لم تجدوه في كتاب الله ففي سنة رسول الله فإن لم تجوده في سنة رسول الله فما أجمع عليه المسلمون، فإن لم يكن فيما