على حد هذيانه محتاجون إلى المصارف والأعمال المصرفية ولا تتم مصالح معاشهم إلا بها، وهذا كلام تضحك منه الثكلى، وينبغي أن يُضم إلى أقوال الحمقى والمغفلين.

الوجه الثاني: أن يقال: إن الله -تعالى- قد أخبر عن عدد من الأمم الذين كانوا في قديم الزمان أنهم كانوا في نعم عظيمة وكانت لهم كنوز وأموال كثيرة، ولم يذكر عنهم أنهم كانت عندهم مصارف وأعمال مصرفية يعتمدون عليها في مصالح معاشهم بحيث لم تتم مصالح معاشهم إلا بها، وفي هذا أبلغ رد على ما هذى به الفتان من توقف مصالح العباد في معاشهم على وجود المصارف والأعمال المصرفية.

الوجه الثالث: قد ذكرت فيما تقدم (?) أن المسلمين قد عاشوا أكثر من ثلاثة عشر قرنا وهم لا يعرفون المصارف والأعمال المصرفية، ومع هذا فإن مصالح معاشهم كانت متيسرة لكل منهم على حسب ما قسم الله لهم من الرزق، ولم يكن في عدم المصارف والأعمال المصرفية في هذه القرون الكثيرة أدنى شيء من المضرة للناس في مصالح معاشهم، وبعد وجود المصارف والأعمال المصرفية في بلاد المسلمين كان كثير منهم بل أكثرهم لا يتعاملون مع أهل المصارف بالمعاملات الربوية، ومع هذا فإن مصالح معاشهم كانت متيسرة لهم، وكثير منهم كانوا أحسن حالاً في مصالح معاشهم من كثير من المتعاملين مع أهل المصارف بالمعاملات الربوية، ولو كان الأمر على ما هذى به الفتان لكانت مصالح الناس في قديم الزمان وحديثه متعطلة لا يتم منها شيء، وهذا معلوم البطلان بالضرورة.

وأما قوله: إنه من غير الجائز التسرع والحكم عليها بأنها من الربا المقطوع فيه.

فجوابه من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: إن النسبة التي يجعلها أهل المصارف لأهل الأموال في كل عام مقابل انتفاعهم بأموالهم - ويسمونها فائدة - هي عين ربا القرض الذي يجر منفعة، وعمل أهل المصارف في هذه النسبة شبيه بعمل أهل الجاهلية في مراباتهم، وقد تقدم بيان ذلك في مواضع كثيرة فليراجع (?).

وإذا علم هذا فليعلم أيضا أن الحكم بأنها من الربا المقطوع بتحريمه ليس من التسرع الذي لا يجوز كما قد توهم ذلك الفتان، وإنما هو من المسارعة إلى فعل ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من إنكار المنكر وتغييره بحسب القدرة، ومن أعظم المنكرات وأكبر ..........

طور بواسطة نورين ميديا © 2015