على الجهال، وليس في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع ما يدل على هذا القول الباطل، بل إن ظواهر الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع تدل على إلغاء كل ما حاوله الفتان في تلفيقه؛ لأنها جاءت بلفظ العموم الذين يشمل الغني والفقير ومن تحل له الصدقة ومن لا تحل له.
يوضح ذلك الوجه الثالث: وهو أن الله -تعالى- ذكر حال أهل الأموال مع الغرماء الواجدين للمال وردهم مع التوبة إلى رؤوس أموالهم وقال لهم: {لَا تَظْلِمُونَ} أي بأن تأخذوا زيادة على رؤوس أموالكم {وَلَا تُظْلَمُونَ} أي بأن يمنع الغرماء رؤوس أموالكم أو يتمسكوا بشيء منها، ثم ذكر حال المعسرين من الغرماء وهم الذين لا يجدون وفاء لديونهم وأمر أرباب الأموال أن ينظروهم إلى حال الميسرة ورغبتهم مع ذلك في الصدقة عليهم فقال -تعالى-: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال ابن جرير في الكلام على قول الله -تعالى-: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}: "وإن كان ذو عسرة من غرمائكم برؤوس أموالكم فنظرة إلى ميسرة"، وقال ابن عطية في تفسيره ما ملخصه: "حكم الله لأرباب الربا برؤوس الأموال عند الواجدين للمال ثم حكم في ذي العسرة بالنظرة إلى حالة اليسر وندب إلى الصدقة على المعسر وجعل ذلك خيرا من إنظاره". انتهى، وفي تفسير القرطبي نحو كلام ابن عطية، وفي هذا أبلغ رد على الفتان الذي قد قال في القرآن برأيه ووضع قوله -تعالى-: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} على غير موضعها ولم يبال بما يترتب على ذلك من الوعيد الشديد وهو ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبغوي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وفي رواية للترمذي وابن جرير والبغوي: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار».
الوجه الرابع: أن يقال: إن الفتان قد كرر القول بأن الربا المحرم في القرآن هو ربا النسيئة الذي كان في الجاهلية، وهذا قول باطل مردود بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع فقد جاء تحريم الربا في هذه الأصول الثلاثة على وجه العموم الذي يشمل جميع أنواع الربا، وليس في شيء منها ما يدل على حصر الربا المحرم في ربا أهل الجاهلية دون غيره من أنواع الربا، وقد تقدم قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "إن المراباة حرام بالكتاب والسنة والإجماع، وقال أيضا: لفظ الربا يتناول كل ما