ظلمه، ولهذا له أن يطالبه بما قبض منه من الزيادة ولا يعطيه إلا رأس ماله وإن كان قد بذله باختياره".
وقال أيضًا في الفتاوى المصرية: "بيع الربوي بجنسه متفاضلا حرام". انتهى.
وفي كل موضع من هذه المواضع أبلغ رد على ما موَّه به الفتان على الجهال حيث قال في قول شيخ الإسلام: "إن كل ما لا يتم المعاش إلا به فتحريمه حرج وهو منتف شرعًا" إنه قد جاء في موضوع الحاجات التي هي دون الضرورات، وكلام شيخ الإسلام في موضوع غير هذا الموضوع كما تقدم بيان ذلك في الوجه الأول وهو بعيد غاية البعد عما حمله الفتان عليه.
وأما الموفق ابن قدامة -رحمه الله تعالى- فإن الفتان ذكر عنه أن قال في المغنى: "إن ما فيه مصلحة من غير ضرر بأحد فهو جائز وأن الشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها وإنما يرد بمشروعيتها".
والجواب عن هذا من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: ليس في كلام الشيخ الموفق ما يتعلق به الفتان من تجويز ربا الفضل للحاجة وربا النسيئة للضرورة؛ لأن كلامه فيما يتعلق بالقرض، وهو أن يقرض الإنسان آخر قرضا ويشترط عليه أن يعطيه إياه في بلد آخر، فإن كان لحمله مؤنة لم يجز لأنه زيادة، وإن لم يكن لحمله مؤنة فقد أختلف العلماء في الجواز وعدمه، وعن أحمد في ذلك روايتان، قال الشيخ الموفق: "والصحيح جوازه؛ لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما، والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها بل بمشروعيتها، قال: ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص فوجب إبقاؤه على الإباحة". انتهى المقصود من كلامه وهو في باب القرض من كتاب المغنى، وقد صحح شيخ الإسلام ابن تيمية القول بالجواز، وكلامه في ذلك مذكور في الاختيارات وفي الجزء التاسع والعشرين من مجموع الفتاوي.
وقد غيَّر الفتان أول عبارة الموفق ليوهم الجهال أن في قوله تأييدًا لما يراه من جواز ربا الفضل للحاجة وربا النسيئة للضرورة، وفي تغيير الفتان لعبارة الموفق دليل على أنه لا أمانة له.
وفي تعليل الموفق للجواز بأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص فوجب إبقاؤه على الإباحة أبلغ رد على الفتان الذي يرى جواز الربا ولا يبالي بمخالفة النصوص الدالة على تحريمه والتشديد فيه.