أن الربا الذي نزل فيه القرآن هو ربا الجاهلية، وهذا الاتفاق المزعوم لا وجود له في شيء من كتب التفسير المشهورة، فلم يذكره ابن جرير ولا ابن أبي حاتم ولا البغوي ولا غيرهم من أكابر المفسرين، وهو مردود بما ذكره البغوي وابن الجوزي والرازي في سبب نزول قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، قال ابن الجوزي: "في نزولها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها نزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف وفي بني المغيرة من بني مخزوم، وكان بنو المغيرة يأخذون الربا من ثقيف فلما وضع الله الربا طالبت ثقيف بني المغيرة بما لهم عليهم فنزلت هذه الآية والتي بعدها، هذا قول ابن عباس، والثاني: أنها نزلت في عثمان بن عفان والعباس كانا قد أسلفا في التمر فلما حضر الجذاذ قال صاحب التمر إن أخذتما ما لكما لم يبق لي ولعيالي ما يكفي فهل لكما أن تأخذا النصف وأضعف لكما ففعلا فلما حل الأجل طلبا الزيادة فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فنهاهما فنزلت هذه الآية، هذا قول عطاء وعكرمة، والثالث: أنها نزلت في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية وكان يسلفان في الربا فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فنزلت هذه الآية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس» هذا قول السدي، قال ابن عباس وعكرمة والضحاك إنما قال: {ما بقي من الربا}؛ لأن كل ربا كان قد ترك فلم يبق إلا ربا ثقيف، وقال قوم: الآية محمولة على من أربى قبل إسلامه وقبض بعضه في كفره ثم أسلم فيجب عليه أن يترك ما بقي ويعفى له عما مضى، فأما المراباة بعد الإسلام فمردودة فيما قبض ويسقط ما بقي". انتهى كلام ابن الجوزي، وقد ذكر البغوي والرازي نحو ما ذكره ابن الجوزي في سبب نزول الآية، وفيما ذكروه من الاختلاف في سبب نزول الآية أبلغ رد على ما في كلام الفتان من التقول على العلماء حيث زعم أنهم اتفقوا على أن الربا الذي نزل فيه القرآن هو ربا الجاهلية وهم لم يتفقوا على ذلك.
الوجه الثالث: أن يقال: على سبيل الفرض والتقدير لو وقع الاتفاق على أن ربا الجاهلية هو الربا الذي نزل فيه القرآن فإن التحريم لا يختص به، بل يكون عاما له ولغيره من أنواع الربا؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وألفاظ الآيات الواردة في تحريم الربا والتشديد فيه كلها على العموم فيدخل في عمومها ربا أهل الجاهلية وربا الفضل وربا النسيئة الذي ليس على طريقة ربا الجاهلية، وقد بين ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بيانا شافيا قاطعا للشبه التي يتعلق بها الفتان وأشياعه من المبطلين، وقد قال ..............................