الوصية بالأنصار، وقال في آخره: "فكان آخر مجلس جلس فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - " رواه البخاري، وفي رواية قال: "صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر وكان آخر مجلس جلسه ... " فذكر الحديث في الوصية بالأنصار.
ومنها حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "مرَّ أبو بكر والعباس -رضي الله عنهما- بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - منا، فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم ... " فذكر الحديث في الوصية بالأنصار، رواه البخاري.
ومنها حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه وهو عاصب رأسه قال: فاتبعته حتى صعد على المنبر فقال: «إن عبدًا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة» فذكر الحديث في بكاء أبي بكر لما سمع هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال في آخره ثم هبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المنبر فما رؤي عليه حتى الساعة" رواه الإمام أحمد والدارمي.
وفي هذا الأحاديث أبلغ رد على قول الفتان أن آخر مرة خاطب فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته حيث قال في حجة الوداع: «ألا وإن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب».
وأما قوله: ونحن نعرف أن ربا الجاهلية باتفاق العلماء هو الربا الذي نزل فيه القرآن الكريم.
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن الآيات التي نزلت في تحريم الربا والوعيد الشديد على أكله ليس فيها تخصيص لربا الجاهلية دون غيره من ربا الفضل وربا النسيئة الذي ليس على طريقة ربا الجاهلية، بل الآيات عامة لجميع أنواع الربا، وقد جاء بيان ذلك في الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد تقدم ذكرها فلتراجع (?) ففيها أبلغ رد على الفتان الذي حاول حصر الربا المحرم في ربا الجاهلية وزعم أنه الربا الذي لا شك فيه.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الفتان قد تقوَّل على العلماء حيث زعم أنهم اتفقوا على