من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم؟ ولماذا جاز أن يعارض الفقهاء في مؤلفاتهم، وأهل النحو في مصنفاتهم، والنظار في موضوعاتهم، وأرباب الصناعات في جميع صناعاتهم، ولم يجز معارضة أبي تمام في كتاب شذ عنه في الأبواب التي شرعها فيه أمر لا يدرك ولا يدرى قدره؟

ولو اقتصر الناس على كتب القدماء لضاع علم كثير، ولذهب أدب غزير، ولضلت أفهام ثاقبة، ولكلت ألسن لسنة، ولما توشى أحد لخطابة، ولا سلك شعبًا من شعاب البلاغة، ولمجت الأسماع كر مردد مكرر، وللفظت القلوب كل مرجع ممضغ. وحتام لا يسأم.

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي

وإلى متى:

صفحنا عن بني ذهل

ولم أنكرت على العجلي معروفًا، واعترفت لحمزة بن الحسين ما أنكره على أبي تمام في زعمه أن في كتابه تكريرًا وتصحيفًا، وإبطاء وإقواء، ونقلا لأبيات عن أبوابها إلى أبواب لا تليق بها، ولا تصلح لها، إلى ما سوى ذلك من رويات مدخولة وأمور عليلة؟

ولم رضيت لنا بغير الرضى؟ وهلا حثثت على إثارة ما غيبته الدهور وتجديد ما أخلقته الأيام وتدوين ما نتجته خواطر هذا الدهر وأفكار هذا العصر؟

على أن ذلك لو رامه رائم لأتعبه، ولو فعله لقرأت ما لم ينحط عن درجة من قبله من جد يروعك، وهزل يروقك، واستنباط يعجبك، ومزاج يلهيك.

وكان يقزوين رجل معروف بأبي محمد الضرير القزويني حضر طعامًا، وإلى جنبه رجل أكول فأحسن أبو حامد بجودة أكله، فقال:

وصاحب لي بطنه كالهاويه ... كأن في أمعائه معاويه

فانظر إلى وجازة هذا اللفظ، وجودة وقوع الأمعاء إلى جنب معاوية. وهل ضر ذلك إن لم يقله حماد عجرد وأبو الشمقمق؟ وهل في إثبات ذلك عار على مثبته، أو في تدوينه وصمة على مدونه؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015