وقد يكون غيره يجوز جوازه لقُربه منه، إلاِّ أنّ فيه من تشبيهٍ واستعارَة وكفٍّ ما ليس في الأول، وذلك كقولك: "عطاءُ فلان مُزْنٌ واكفٌ" فهذا تشبيه وقد جاز مجاز قوله: "عطاؤه كثير وافٍ" ومن هذا في كتاب الله جل ثناؤه: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} 1 فهذا استعارة. وقال: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} 2 فهذا تشبيه ومنه قول الشاعر3:
ألَمْ ترَ أنّ الله أعطاكَ سورَةً ... تَرَى كلَّ مَلك دُونها يَتَذَبذَبُ
فإنك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ ... إذا طَلَعَتْ لم يبْدُ منهن كوكبُ
فالمجاز هنا عند ذِكر "السُّورَة" وإنما هي من البناء. ثم قال: "يتذبذب". والتذبذب يكون لِذَباذِب الثوب وهو ما يتدلّى منه فيضطرب, ثم شبهه بالشمس وشبههم بالكواكب.
وجاء هذان البابان في نُظوم كتاب الله جلّ ثناؤه، وكذلك يجيء بعدهما ما نذكره في سُنَن العرب لتكون حجَّة الله جلّ اسمه عليهم أكَدَ، ولِئَلاَّ يقولوا: إنما عجزنا عن الإتيان بمثله لأنه بغير لغتنا وبغير السُّنن التي نَسْتَنُّها. لا، بل أنزله جل ثناؤه بالحروف التي يعرفونها وبالسُّنن التي يسلكونها في أشعارهم ومخاطباتهم ليكون عجزهم عن الإتيان بمثله أظهرَ وأشهر. ثم جعله تبارك اسمه أحد دلائل نُبوّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, ثم أعلمهم ألاَّ سبيل لهم إلى معارَضته، وقَطَع العُذر بقوله جلّ ثناؤه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} 4.
فمن سنن العرب مخالفة ظاهرِ اللفظ معناه، كقولهم عند المدح: "قاتله الله ما أشعره" فهم يقولون هذا ولا يريدون وقوعه. ومن قول امرئ القيس يصف رامياً5:
فهو لا تَنمِي رَمِيَّتُهُ ... ما لَهُ لا عُدَّ من نفره