جرير1:
موتوا من الغَيْظ غَمّاً في جَزِيرَتِكم ... لَنْ تقطعوا بطنَ وادٍ دونَهُ مُضَرُ
ويكون أمراً، والمعنى خَبَر. كقوله جلّ ثناؤه: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} 2 المعنى: انهم سيضحكون قليلاً ويبكون كثيراً.
فإن قال قائل: فما حال الأمر في وجوبه وغير وجوبه? قيل له: أمّا العرب فليس يُحفظُ عنهم في ذلك شيء، غير أن العادة بأنَّ من أمر خادمه بسقيه ماءً فلم يفعل، أنّ خادمه عاصٍ: وان الآمر مَعْصِيّ. وكذلك إذا نهى خادَمه عن الكلام فتكلّم، لا فرق عندهم في ذلك بين الأمر والنهي.
فأما "النهي" فقولك: "لا تَفْعَلْ" ومنه قوله3:
لا تَنِكحي إن فَرَّق الدهر بيننا ... أغمَّ القفا والوَجهِ ليس بأنْزعا
وأمّا "الدعاء، والطَّلب" فيكون لمن فوقَ الداعي والطالب. نحو: "اللهم اغُفرْ" ويقال للخليفة: "انظُرْ في أمري". قال الشاعر4:
إليك أشكو فتقبَّلْ مَلَقي ... واغفِرْ خطاياي وثمِّرْ وَرقي
و"العرض. والتحضيض" متقاربان. إلا أن العَرْضَ أرفَقُ. والتحضيض أعْزَمُ. وذلك قولك في العَرض "ألا تنزِل. ألا تأكلُ" والإغراء والحثُّ قولك: "ألَمْ يأنِ لك أن تطيعَني". وفي كتاب الله جل ثناؤه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} 5. والحثّ والتحضيض كالأمر ومنه قوله عزّ وجلّ: {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ} 6 فهذا من الحثّ والتخصيص، معناه: ائْتِهم ومُرْهُم بالاتقاء.
و"لولا" يكون لهذا المعنى، وقد مضى ذكرها. وربما كان تأويلها النفي،