فقيل لَهُ: لم نصبت "بني"? فقال: مَا نصبته، وذلك أنه لَمْ يعرف من النّصب إِلاَّ إِسناد الشيء. قالوا: وحكى الأخفش1 عن أعرابي فصيح أنه سُئل أن يُنشد قصيدة عَلَى الدال فقال: وَمَا الدال? وحكي أن أبا حيّة النُّميري2 سُئل أن يُنشد قصيدة عَلَى الكاف فقال3:
كفى بالنَّأي من أسماء كافِ ... وَلَيْسَ لِسُقمها إِذ طال شافِ
قلنا: والأمر فِي هَذَا بخلاف مَا ذهب إِلَيْهِ هؤلاء ومذهبنا فِيهِ التوقيف فنقول: إن أسماء هَذِهِ الحروف داخلة فِي الأسماء الَّتِي أعلم الله جلَّ ثناؤه أنه علَّمها آدم عليه السلام، وَقَدْ قال جل وعزَّ: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} 4، فهل يكون أوّلُ البيان إِلاَّ علم الحروف الَّتِي يقع بِهَا البيان? ولِمَ لا يكون الذي علَّم آدم عليه السلام الأسماء كلّها هو الَّذِي علّمه الألِفَ والباء والجيم والدال? فأما من حُكي عنه من الأعراب, الَّذِين لَمْ يعرفوا الهمز والجرّ والكاف والدال, فإنَّا لَمْ نزعم أن العرب كلها مدراً ووبراً قَدْ عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها، وَمَا العربُ فِي قديم الزمان إِلاَّ كنحن اليومَ: فما كلٌّ يعرف الكتابة والخطّ والقراءة، وأبو حيّة كَانَ أمس؛ وَقَدْ كَانَ قبله بالزمن الأطول من يعرف الكتابة ويخطّ ويقرأ، وَكَانَ فِي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه سلم- كاتبون منهم أمير المؤمنين عليٌّ صلوات الله تعالى عَلَيْهِ وعثمان وزيد وغيرهم.
فحدثني أبو الحسن عليُّ بنُ إبراهيم القَطَّان, قال أخبرنا عليّ بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: حدثنا ابن مَهْدِيّ, عن ابن المبارك قال حدثني أبو واثل شيخٌ من أهل اليمن عن هانئ قال: كنت عند عثمان رضي الله تعالى عنه، وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتِف شاه إِلَى أبي بن كعب فِيهَا "لَمْ يتسنَّ" و"فأمهل الكافرين" و"لا تبديل للخلق" قال فدعا بالدّواة فمحا إحدى اللامين وكتب {لِخَلْقِ اللَّهِ} 5