إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين.
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك، وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فمع الدرس التاسع من دروس الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وقد تكلمنا في الدرس السابق عن اختيار الصديق رضي الله عنه وأرضاه؛ ليكون خليفة للمسلمين، وذكرنا في الدرس السابق ما تم من بيعة الصحابة جميعاً بغير استثناء، فبايع المهاجرون وبايع الأنصار وبايع أيضاً علي بن أبي طالب في اليوم الثاني، وبايع الزبير بن العوام أيضاً في اليوم الثاني، وبايع سعد بن عبادة بعد عدة أيام، وهكذا أجمع المسلمون إجماعاً لا شبيه له في تاريخ أمة من الأمم على رجل واحد، أجمعوا على الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
وذكرنا في الدرس السابق أنه مما يرفع قدر الصديق إلى أعلى الدرجات أنه كان يقارن بمجموعة من العمالقة الأفذاذ يقارن بجيل السابقين، ومع ذلك فمن الواضح أن الصحابة جميعاً كانوا مهيئين نفسياً لقبول أبي بكر زعيماً عليهم، واضح أنه حتى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كان الصديق بارزاً في المكانة وسابقاً في الفضل، وكان الناس جميعاً يضعونه في مكان مختلف عن بقية الصحابة، ولذلك سهل عليهم ترشيحه وانتخابه ومبايعته بهذه الصورة غير المتكررة.
وتعالوا بنا نرى تعليقات الصحابة على هذه الشخصية الفريدة في التاريخ الإسلامي.
وتعالوا بنا أيضاً نرى تعليقات الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل.
وبعد أن نرى هذه التعليقات سنعرف أنه كان طبيعياً جداً أن يجتمع الصحابة على اختيار الصديق رضي الله عنه وأرضاه هذا الاجتماع الفريد.
روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين).
وفي رواية الطبراني زاد: (فيعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره).
وروى البخاري عن عبيد الله بن عمر قال: كنا لا نعدل بـ أبي بكر أحداً، ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم.
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن متوافرون -يعني: ونحن كثرة- نقول: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت).
وأخرج الإمام أحمد رحمه الله عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر).
والذهبي رحمه الله يعلق على هذا الحديث فيقول: هذا متواتر عن علي رضي الله عنه، فلعن الله الرافضة ما أجهلهم، والرافضة هم طائفة من الشيعة رفضت خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأخرج الترمذي والحاكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلمة (أحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليست استنتاجاً من سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بل الرسول صلى الله عليه وسلم صرح بها من قبل، فقد روى البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه قال: (قلت: يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر، قلت: ثم من؟ فعد رجالاً).
وروى الطبراني عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: من فضل على أبي بكر وعمر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أزرى على المهاجرين والأنصار، أي: انتقص من المهاجرين والأنصار.
وروى البخاري عن