ونقف وقفة مع بعض التعليقات التي ذكرت بخصوص هذا اليوم: أولاً: جاءت رواية عجيبة في الطبري أعجب بها المستشرقون أيما إعجاب وأظهروها في تاريخهم، ويرددها وراءهم المعجبون بالمستشرقين، والحق أن الطبري رحمه الله مع أنه كان عالماً جليلاً وإماماً عظيماً ما كان ينظر كثيراً إلى الروايات التي يذكرها في كتابه، وهو بنفسه اعترف بذلك في مقدمته لكتابه المشهور: تاريخ الأمم والملوك.
فهمه كان الجمع وليس التحقيق، وعلى علماء الرجال والحديث والرواية أن يبحثوا في صحة ما جاء في كتابه.
الرواية هذه تقول: إن سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه قال بعد مبايعة الصديق رضي الله عنه وأرضاه: لا أبايعكم حتى أرميكم بما في كنانتي، وأخضب سنان رمحي، وأضرب بسيفي، فكان لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع بجماعتهم، ولا يقضي بقضائهم، ولا يفيض بإفاضتهم، يعني: في الحج لا يفيض بإفاضتهم.
وطبعاً هذه الرواية باطلة تماماً من الأساس، فابحث عن إسناد هذه الرواية ستجد في إسنادها رجلاً اسمه: لوط بن يحيى، وهو شيعي معروف صاحب هوى كثير الكذب متروك، قال عنه الذهبي رحمه الله: إخباري تالف لا يوثق به، ولم ينقل عنه أحد إلا الشيعة، لا يؤخذ بقوله ألبتة، وبالذات في القضايا الخلافية، وفي أمور الفتن.
وهذه الرواية سنداً لا تصح بالمرة، كما أنها متناً أيضاً لا تصح، إذ كيف يمكن أن نتخيل أن سعد بن عبادة الصحابي الجليل الذي في رقبته بيعة العقبة الثانية على السمع والطاعة كيف نتخيل أنه ممكن أن يقول هذا الكلام؟ كيف يمكن أن نتخيل أن هذا الكلام يقال في المدينة المنورة، ولا يخاطب فيه الصحابة أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه الحاكم في ذلك الوقت؟ هذا الكلام في غاية الخطورة، فـ سعد بن عبادة ليس رجلاً عادياً في المدينة المنورة، بل سعد بن عبادة سيد الأنصار لو قال مثل هذا الكلام لأحدث فتنة لا محالة في المدينة، وليس ممكناً أن يقول مثل هذا الكلام ويمر الموقف دون تعليق.
لو كان هذا الموقف فعلاً حقيقياً لذكرته كتب السيرة الموثقة، فلم نجد في كتاب سيرة ولا كتاب سنن ولا كتاب صحاح هذا الأمر بالكلية.
إذاً: هذا واضح فيه الاختلاق سواء في السند أو سواء في المتن.